هذا أمر لا تجيزه الشريعة الإسلامية لما فيه من الغرر والتدليس،إلا إذا كان المشتري يعلم بهذه السلعة ويعلم طريقة إنضاجها .

حكم الغش والتدليس في البيع

يقول فضيلة الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:

من الأمور التي لا يُماري فيها أحد كثرةُ الغش والتدليس في معاملات الناس، كنتيجة حتمية لقلة الوازع الدينيّ أو انحسارِه لدى الكثيرين، وقد حرّم الشارع الحكيم الغشّ والتدليس، وورَدَت حرمتهما في نصوص كثيرة، منها قولُ رسول الله : “من غشنا فليس منّا” .

ورُوي أن رسول الله ـ ـ مر برجل يبيع طعامًا، فسأله: “كيف تبيع؟” فأخبره، فأوحى الله إليه أن أَدخِلْ يدك فيه. فإذا هو مبلول، فقال رسول الله : “ليس منّا من غشّ”. وهذا يقتضي تحريمَ كتمان العيب في الشيء، ولهذا رد رسول الله ـ ـ امرأة من بني غِفار إلى أهلها بعد العقد عليها؛ لكتمان أهلها عيبًا كان بها كرهه رسول الله ، فقد رُوي أن رسول الله ـ ـ تزوج امرأة من بني غِفار، فلما دخل عليها وقعد على الفراش أبصر بكَشْحِها بياضًا، فانحاز عن الفراش ثم قال لها: “خذي عليك ثيابك والحَقي بأهلك” ثم قال لأهلها: “دلَّستم عليَّ “.

ونتيحة لسيطرة المادة على حياة الناس، والرغبة في الثراء السريع، وضعف الوازع الدينيّ أو انعدامه في نفوس الكثيرين ـ يَعمِد البعض إلى التأثير في الأطعمة التي تفتقر إلى وقتٍ تَنضَج فيه قد يمتد إلى بضعة أشهر، بما يسارع في نضجها أو إظهارها بمظهر الناضج؛ كوضع المواد الكيميائية على الشجر المثمر ليظهر ثمره وقد اكتسى بلون الثمار الناضجة، قبل أن يصل إلى أوان نضجه. أو وضع الهرمونات على ثمار الأشجار ليزداد حجمها. أو إضافة بعض المواد الكيميائية إلى عليقة الحيوانات والطيور لتسرع في نموها وتزيد من حجمها وإنتاجها.

وكل هذا يُعَدّ غشًّا في المبيع من هذه الأشياء، وذلك لاختلاف مذاق هذه الثمار والزروع والحيوانات والطيور عن مثيلتها التي لم تُعالَج بهذه المواد الكيميائية، واختلاف قيمتها الغذائية كذلك عنها. والغش محرم للأدلة السابقة. كما أن هذا يُعَدّ عيبًا في المَبِيع تُرَدّ به السلعة إلى صاحبها، إن لم يكن المشتري عالمًا وقت البيع بحقيقة المَبِيع وكيفية نمائه ونضجه، لأن رضاه في هذه الحالة شابَهَ عيبٌ من عيوب الإرادة، فيثبت له خيار الرد بالعيب فيه، كما جاز له ذلك في الدابة المُصَرّاة “التي أوهم البائعُ المشتريَ أنها كثيرة اللبن؛ بحبس اللبن في ضَرعها عدة أيام لتبدوَ للناظر أنها كثيرة اللبن، وليست كذلك في الواقع” حيث أثبت رسول الله ـ ـ لمشتريها الخيارَ بين ردِّها أو إمساكِها بعد احتلاب لبنها، باعتبار التَّصْرِيَةَ تدليسًا وغشًّا أوقعه البائع بالمشتري .

مشتري الثمار والزروع والحيوانات والطيور، التي تم التأثير عليها لتَنضَج أو تظهر بمظهر الناضج منه، قد وقع في مثل هذا الغش والتدليس؛ لأنه لو علم قبل الشراء أن زيادة حجم المَبِيع أو تلوُّنه بلون الناضج من الثمار ليس طبيعيًّا، وإنما بتأثير مواد كيميائية، ما أقدم على شرائه، ومن ثَمَّ فإن له الخيارَ بين ردِّ هذه السلعة إن سَخِطَها بعد أن يُثبِت له عيبَها، وبين إمساكها إن رَضيَ بها وبها هذا العيبُ .

يضاف إلى هذا أن هذه المواد الكيميائية المضافة إلى الثمار أو الزروع أو طعام الحيوانات والطيور لا يقتصر أثرها على زيادة أحجام هذه الأشياء أو إضفاء اللون، وإنما لها تأثير ضارّ بصحة من يتناولونها، وقد نهى الشارع عن الإضرار بالمسلم، فرُوي عن النبي ـ ـ أنه قال: “لا ضرر ولا ضرار في الإسلام “.

ما حكم بيع السلعة المعيبة

إذا كان قِوام الدين الإسلاميّ هو النصيحة فإن من باع سلعة وبها عيب من العيوب السابقة هو يعلم حقيقتها، دون أن يبين لمبتاعها هذه الحقيقة، فإنه يُعَدّ مقترفًا أمرًا حرمه الله سبحانه، وهو كتمان العيب عن المشتري، فقد رُوي أن رسول الله ـ ـ قال: “لا يَحِلُّ لأحد يبيع شيئًا إلا بيَّن ما فيه، ولا يَحِلُّ لمن علم ذلك إلا بيَّنه”. ورُوي عنه ـ ـ أنه قال: “من باع عيبًا لم يبيِّنه لم يَزَل في مَقْت الله، ولم تَزَل الملائكة تلعنه”.

كما أن هذا البائع لم يقم بما أوجبه الشارع عليه حيال المشتري وهو النصح له، فقد رُوي عن النبي ـ ـ أنه قال: “إن الدين النصيحة”. ورُوي عن جرير قال: بايعتُ رسول الله ـ ـ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.

ومن ثَمّ فإن من يؤثِّر في هذه السلع غاشٌّ مدلِّس، ومن يبيعها دون أن يبين للناس حقيقة ما فيها هو كذلك، فضلاً عن عدم تخلقهما بأخلاق الإسلام.