جاء أحد العصاة الذين أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والمعاصي للعالم الجليل “إبراهيم بن الأدهم”، فقال إني مسرف على نفسي بالذنوب والمعاصي والحرام، فدلني على ما يكفيني من شر نفسي ، فقال أدلك على خمس إن أعانك الله عليها سوف تكون من العباد. فقال هات الأولى يا إمام، قال:

-أما الأولى إذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن على أرضه، قال له الرجل : كل الأراضين ملك لله عز وجل، قال أيجدر بك أن تعصي الله وتسكن على أرضه.

-قال هذه الأولى، فائتني بالثانية، قال أما الثانية إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، قال كيف تقول ذلك يا أمام والرزق كله من الله، قال: أيجدر بك أن تسكن على أرضه وتأكل من رزقه وتعصيه.
-قال: هذه الثانية، فائتني بالثالثة، قال: أما الثالثة إذا أردت أن تعصي الله فاذهب في مكان لا يراك الله فيه، فقال له الرجل: أو يخفى على الله شيء، قال: أيجدر بك أن تعصيه وينظر إليك.

-قال هذه الثالثة، فائتني بالرابعة، قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: انتظر حتى أتوب وأعمل صالحا، قال: ومن يستطيع ذلك يا إمام، “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

-قال” فائتني بالخامسة، قال أما الخامسة: إذا جاءتك زبانية جهنم ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم ، فقال: ومن يستطيع ذلك، أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه؛ فقام الرجل تائبا وأصبح من العباد.

الواجب على العاصي

ندعوا كل مسلم أن يستحضر عظمة الله وجلاله، لا ينظر إلى صغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظم من عصى وهو الله عز وجل، فندعوا كل مسلم أن يحرص على الخير ويبتعد عن مواطن الشر بالصحبة الصالحة، التي هي أكبر عون بعد الله عز وجل في المحافظة على نفسه وصيامه في هذا الشهر الفضيل ليكون من المقبولين، وعليه أن يحسن الظن بالله عز وجل ويدرك سعة رحمته.

التوبة من المعاصي

وقال الشيخ ابن عثيمين : ” وما أكثر ما يكون الإنسان منا بعد المعصية خيرا منه قبلها ، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية ، ثم يجد من قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله ، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر ، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع ، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه ، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله ، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم صحته . وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها .

كما قال : ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طـه/122 ، أي : بعد أن أذنب وتاب ؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه ، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم ؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان ، ورفعة الدرجات ، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك ، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله

الواجب على من ارتكب بعض المعاصي

المعاصي لها شؤم على المرء ، في عاجل دنياه ، وفي أخراه ، إن لم يتب ، أو يتداركه الله برحمته.

فالواجب على المسلم التوبة ، والبكاء من خشية الله عز وجل ، والانكسار والانطراح بين يديه ، وسؤاله العفو والمغفرة ، وأن يعزم عزما أكيدا ألا يعود لفعل المعصية ، فإن غالبته نفسه فغالبها ، وجاهدها قال تعالى: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ، فإن غلبته فليجدد التوبة ، ولا تيأس من رحمة الله ، وأكثر من فعل النوافل والصالحات قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114