حرر الإسلام العقل من الوهم والخيال،وجعل العقل حاكمًا على الأشياء في إطار النصوص الشرعية كي لا يضل العقل ،فكان الشرع سياجًا له ،وما يحكى من أن الميت يأتي شبحه في المكان الذي قتل فيه وهم وخرافة لا أصل لذلك في الإسلام،بل ورد النهي عن ذلك .
يقول فضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله تعالى :
هذه خُرَافة شائعة لا أَصْل لها في الدين، بل نُهيَ عن اعتقادها. وقد كان من مَزَاعم العرب في الجاهلية أن أرواح الموتى أو عظامهم التي بَلِيَت تَصير طيرًا يُسمَّى (الهامة) ويُسمَّى (الصَّدَى) قال لَبِيد:
فَلَيْسَ النَّاسُ بَعْدَكَ فِي نَفِيرٍ وَلَا هُمُ غَيْرَ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
وأن رُوح القتل الذي لم يُدْرَك ثأره تَصِير هامة، فتَزْقُو عند قبره تقول: (اسقوني، اسقوني) وما تزال كذلك حتى يُدْرَك ثأره، فعند ذلك تَطير ولا تَعُود، وفي ذلك يقول ذو الإصبع:
يَا عَمْرُو إِلاّ تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الهَامَةَ اسْقُونِي
وقد زعموا ذلك لِمَا جُبِلُوا عليه من الحَمِيَّة والأَنَفَة، وما استَقَرَّت عليه عاداتهم من الحرص على الأخذ بالثأر، فتخيلوا أن رُوح القتل لا تَفْتَأ تُرَفْرِف على قبره تشكو الظمأ وتطلب السُّقْيَا، إلا أَنَّهَا لا تَبْغي الرِّيَّ بالماء وإنما تَبْغِيهِ بالدِّمَاء، فإذا ثَأَرَ أَوْلِيَاء الدم من القاتل تَبَدَّلَ ظمؤها رِيًّا، وشَفِيَت مما تَجِد، وطارت إلى غير رَجعة هانئة هادئة.

ولَمَّا بَزَغَ الإسلام، بَدَّدَ هذه العقيدة فيما بَدَّدَ من المزاعم والأوهام، وبَيَّن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه لا حقيقة لما يزعمون، فقال فيما رواه عنه أبو هريرة: (لا هامة) ومراده بالنفي النهي عن هذا الاعتقاد الباطل، ووجوب تطهير العقول من هذا الوهم الكاذب.
ومنه ما يزعمه جهلة العوام على غِرار تلك الخرافة العتيدة من ظهور روح القتل في المكان الذي قُتل فيه، وذهابها ومجيئها بحركات تُمَاثل ما كان عليه في حياته. وكل هذا وَهْم وخيال مَنْهِيٌّ عن اعتقاده بدلالة هذا الحديث المروي في الصحيحين.