الجمهور على أن كلا من الزوجين يجوز له أن يغسل صاحبه ، أما غير الزوجين فيغسل المحارم بعضهم بعضا من نفس جنسهم ، ويقدم الأقرب من العصبة كالأب والابن والأخ والعم من نفس جنس الميت ، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء ، ثم الأجانب ـ غير المحارم ـ من نفس الجنس، ثم المحارم من الجنس الآخر عند الشافعية والمالكية ، على أن لا يري أحد عورة الميت ذكرا كان أو أنثى ، فيستر عورته ولا يمسها إلا وعلى يده خرقة حائلة .
وعند الحنابلة والحنفية لا يغسل قريبه غير المحرم من خلاف جنسه ولكن ييممه .
يقول الدكتور نصر فريد واصل:
قد روى ابن ماجة في سننه بإسناد صحيح عَن عائشة ؛ قالت: لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النَّبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ غير نسائه . و هذا الحديث دليل على جواز تغسيل أحد الزوجين للآخر ، وقد انعقد إجماع الأمة على جواز تغسيل أحد الزوجين للآخر عند موته ، قال ابن المنذر: أجمع أهلُ العلْم على أن المرأة تُغسل زوجَها إذا مات ، وهكذا صنع الصحابة رضوان الله عليهم ، وعلى هذا أهل العلم .
وقد جاء في كتاب “بدائع الصنائع” للإمام علاء الدين أبي بكر الحنفيِّ قوله: أما المرأة فتُغسِّل زوجَها لمَا رُوي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : لو استقبلنا من الأمر ما استدبرْنا لمَا غسَّل رسولَ الله ـ ﷺ ـ إلا نساؤه. ومعنى ذلك أنها لم تكن عالِمةً وقت وفاة رسول الله ـ ﷺ ـ بإباحة غُسل المرأة لزَوجها، ثم علمَتْ بعد ذلك. وأيضًا جاء في كتاب “مواهب الجليل” للمالكيَّة قوله: وللمرأة إذا غسَّلتْ زوجَها أن تُجفِّفه وتُكفِّنَه ولا تُحنِّطَه؛ لأنها حادٌّ.
وجاء في كتاب “الشرح الكبير” لأبي البركات أحمد الدرديريِّ المالكيِّ قوله: وقُدم على العصبة الزوجانِ، أي الحيّ منهما، في تغسيل الميت منهما ولو أوصَى بخِلافه.
كما جاء في كتاب “الأم” للإمام الشافعيِّ قوله: ويُغسِّل الرجلُ امرأتَه إذا ماتتْ، والمرأةُ زوجَها إذا مات؛ لأنها في عدَّةٍ منه. (انتهى).
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ؛ في بيان الأحق بتغسيل الميت:
الأصل أنه لا يغسل الرجال إلا الرجال ، ولا النساء إلا النساء ، لأن نظر النوع إلى النوع نفسه أهون ، وحرمة المس ثابتة حالة الحياة ، فكذا بعد الموت . واختلفوا في الترتيب :
فذهب الحنفية إلى أنه يستحب للغاسل أن يكون أقرب الناس إلى الميت ، فإن لم يعلم الغسل فأهل الأمانة والورع ـ أي من جنسه ، وروى أبو داود في مراسيله والبيهقي عن مكحول: أن النبي ﷺ قال: “إذا ماتت المرأة مع الرجال، ليس معهم امرأة غيرها. والرجل مع النساء، ليس معهن رجل غيره فإنهما ييممان، ويدفنان وهما بمنزلة من لم يجد الماء” .
ويرى المالكية تقديم الحي من الزوجين في غسل صاحبه على العصبة ، ويقضى له بذلك عند التنازع ، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته ، ثم امرأة محرمة كأم وبنت . وإن كان الميت امرأة ، ولم يكن لها زوج ، أو كان وأسقط حقه ، يغسلها أقرب امرأة إليها فالأقرب ، ثم أجنبية ، ثم رجل محرم على الترتيب السابق . ويستر وجوبا جميع جسدها ، ولا يباشر جسدها إلا بخرقة كثيفة يلفها على يده .
وعند الشافعية إن كان الميت رجلا غسله أقاربه . وهل تقدم الزوجة عليهم ، فيه ثلاثة أوجه :
الوجه الأول ، وهو الأصح : أنه يقدم من الرجال العصبات ، ثم الأجانب ، ثم الزوجة ، ثم النساء المحارم . والوجه الثاني : يقدم الرجال الأقارب ، ثم الزوجة ، ثم الرجال الأجانب ، ثم النساء المحارم . والوجه الثالث : تقدم الزوجة على الجميع .
وإن كان الميت امرأة قدم نساء القرابة ، ثم النساء الأجانب ، ثم الزوج ، ثم الرجال الأقارب . وذوو المحارم من النساء الأقارب أحق من غيرهم ، وهل يقدم الزوج على نساء القرابة ؟ وجهان : الوجه الأول : وهو الأصح المنصوص يقدمن عليه لأنهن أليق .
والثاني : يقدم الزوج لأنه كان ينظر إلى ما لا ينظرن ، وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء ، ولكن عامة الشافعية يقولون : المحارم بعد النساء أولى .
وذهب الحنابلة إلى أن الأولى بالتغسيل وصي الميت إذا كان عدلا ، ويتناول عمومه ما لو وصى لامرأته ، وهو مقتضى استدلالهم بأن أبا بكر رضي الله عنه وصى لامرأته فغسلته . وكذا لو أوصت بأن يغسلها زوجها . وبعد وصيه أبوه وإن علا ، ثم ابنه وإن نزل ، ثم الأقرب فالأقرب كالميراث ، ثم الأجانب ، فيقدم صديق الميت ، وكذا المرأة ، وبعد وصيها ( أي من النساء ، أو الزوج) أمها وإن علت ، فبنتها وإن نزلت ، فبنت ابنها وإن نزل ، ثم القربى فالقربى ثم الأجنبيات. (انتهى).
فإذا ماتت امرأة ولم يوجد لها زوج غسلها النساء المحارم ، وإن لم يوجدن فالنساء الأجانب، وإن لم يوجد منهن أحد فالرجال المحارم عند البعض، وإن لم يوجد إلا الرجال الأجانب ـ ولو أقارب ـ فلا يغسلها أحدهم ولكن ييممها بخرقة على يده ، وكذا لو مات رجل بين نساء أجانب .