الأصل أن يتجه المسلمون في صلاتهم إلى الكعبة ، وعليهم أن يتحروا جهتها ، واختلف الفقهاء في اجتهاد فاقد البصر إلى أنه: تصح صلاته وليس عليه أن يتحرى ، ومن قائل لابد من التحري ، ومن قائل لو كان عنده من يستطيع سؤاله ولم يسأله لا تصح صلاته .
حكم اجتهاد الأعمى في تحري القبلة:
الراجح أن عليه أن يتحرى الجهة ما أمكنه ذلك ، أو يسأل من وجد ، فإن لم يجد أحدا وتحرى وخشي فوات الوقت وصلى خلاف القبلة فتجوز صلاته بإذن الله تعالى .
هل يعيد فاقد البصر الصلاة إذا أخطأ في القبلة:
يفصل المسألة فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله قائلا :
جاء في حاشية ابن عابدين الحنفي :
لا يلزم الأعمى مسُّ جدران المسجد إذا جهل القِبلة، ولو صلى الأعمى ركعة إلى غير القبلة، فجاء رجل فسواه إلى القبلة، واقتدى به، ينظر فإن وجد الأعمى وقت الشروع في الصلاة مَن يسأله فلم يسأله، لم تجُز صلاته، وإلا جازت صلاة الأعمى دون المقتدي، لأن عنده أن إمامه بنى صلاته على الفاسد، وهو الركعة الأولى.
ومفاده أن الأعمى لا يلزمه إمساس المحراب إذا لم يجد من يسأله، وأنه لو ترك السؤال مع إمكانه، وأصاب القبلة جازت صلاته، وإلا فلا.
وجاء في “الفتاوى الهندية”: امرأة مكفوفة لا تجد من يوجهها إلى القبلة، فإن ضاق الوقت، ولم تجد أحدًا، فإنها تتحرى وتصلي .
وجاء في حاشية الدسوقي المالكي: إذا تبيّن للأعمى خطأ في استقباله القبلة – وهو في الصلاة – فإنّه يتحوّل ويستقبلها في أثناء الصلاة، ثم يتم.
وإذا تبين له الخطأ بعد انتهاء الصلاة، فإنه لا يعيد الصلاة .
وفي الحاشية أيضًا: ولا يقلد مجتهد ـ وهو العارف بأدلة القبلة ـ مجتهدًا غيره؛ لأن القُدرة على الاجتهاد تمنع من التقليد، فالاجتهاد واجب، هذا إذا كان المجتهد بصيرًا، بل وإن كان أعمى إذْ لم يجُز له التقليدُ سأل عن الأدلة ليهتديَ بها إلى القبلة.
وفي “مواهب الجليل”: للأعمى العاجز أن يقلد في الاتجاه إلى القبلة شخصًا مكلفًا عارفًا بأدلة القبلة، لأن الأعمى غير مجتهد.
وجاء في “المجموع” للنووي الشافعي : الأعمى يعتمد المِحراب بمسٍّ إذا عرَفه بالمسِّ، حيث يعتمده البصير، وكذا البصير في الظلمة، وفيه وجه: أن الأعمى إنما يعتمد محرابًا رآه قبل العمى، ولو اشتبه على الأعمى مواضع لمسها صبر حتى يجد من يخبره، فإن خاف فوت الوقت صلى على حسب حاله، وتجب الإعادة .
وفيه أيضًا: لا يجتهد الأعمى في القبلة.
وفي “الأشباه والنظائر” لا يجتهد الأعمى في القبلة، ولا خلاف في أنه لا يجتهد فيها؛ لأن غالبَ أدلتِها بَصَريّة .
وجاء في “المغني” لابن قدامة الحنبلي : إذا صلى الأعمى في حَضَرٍ، بلا دليل وأخطأ القبلة أعاد صلاته؛ لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر والمَحاريب، فإن الأعمى إذا لمس المحراب، وعلم أنه محراب، وأنه متوجه إليه، فهو كالبصير وكذلك إذا علم أن باب المسجد إلى الشمال أو غيرها من الجهات جاز له الاستدلال به، ومتى أخطأ فعليه الإعادة، وحكم المقلد الأعمى في هذا.
وإن كان الأعمى أو المقلِّد مسافرًا، ولم يجد من يخبره، ولا مجتهدًا يقلده، فظاهر كلام الخرقي ( فقيه حنبلي المذهب ) أنه يعيد، سواء أصاب أو أخطأ، لأنه صلى من غير دليل، فلزمته الإعادة، وإن أصاب كان كالمجتهد إذا صلّى من غير اجتهاد.
وجاء في “المغني” أيضًا: إذا اختلف مجتهدان في القِبلة، ومعهما أعمى، قلّد أوثقهما في نفسه، وهو أعلمهما عنده، وأصدقهما قولاً، وأشدّهما تحريًّا؛ لأن الصواب إليه أقرب. والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها، وإن كان جاهلاً بأحكام الشرع، فإن كلَّ مَن علم أدلة شيء كان من المجتهدين فيه، وإن جهل غيره، ولأنه يتمكن من استقبالها بدليله، فكان مجتهدًا فيها كالفقيه، ولو جهل الفقيه أدلتها، أو كان أعمى، فهو مقلِّد، وإن علم غيرها .
وجاء في المحلى لابن حزم الظاهري :
إذا كان الأعمى يقدر على معرفة جهة القِبلة، وترك ذلك عامدًا أو ناسِيًا بَطلَت صَلاتُه، ويُعيد ما كانَ في الوقت، إن كان عامِدًا، ويعيد أبدًا إن كان ناسيًا.
وإذا خَفِيَتْ على الأعمى الدلائلُ ـ إذ لا دليل له ـ فإنه يصلِّي إلى أي جهة أمكنَه. أ.هـ