يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة:
قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة، وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة “لما ضرب الله هذه المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى: “مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا” وقوله “أو كصيب من السماء” الآيات الثلاث قال المنافقون، الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله هذه الآية “إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها” إلى قوله: “أولئك هم الخاسرون” وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، في هذه الآية، قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا. أن البعوضة تحيا إذا جاعت فإذا سمنت ماتت وكذلك مثل هؤلاء القوم الذي ضرب لهم هذا المثل في القرآن، إذا امتلأوا من الدنيا ريًا أخذهم الله عند ذلك.
ومعنى الآية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحي أي لا يستنكف أن يضرب مثلاً ما أي مثل كان، بأي شيء صغير كان أو كبيرًا، فإن ضرب الأمثال يقرب المعنى للأفهام، وفيه تذكرة واتعاظ واعتبار وما يتعقلها إلا أهل العلم والمعرفة كما قال تعالى: “وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” (سورة العنكبوت آية 43) ومن هنا قال بعض السلف إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي. وأما معنى “فما فوقها” ففيه قولان: أحدهما معناه فما دونهما في الصغر والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السماع: نعم وهو فوق ذلك أي فيما وصف به، والثاني فما فوقها معناه ما هو أكبر منها، فليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة، فأخبر جل جلاله أنه كما لم يستنكف من خلقها لم يستنكف أن يضربها مثلاً للدنيا ولأهلها الذين لا يرون غيرها في منظورهم الحياتي.
فأما الذين آمنوا فيعلمون بإيقان أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيتساءلون “ماذا أراد الله بهذا مثلاً”، فالمثل يضرب في القرآن فيضل به الكفرة بإنكارهم إياه، فيزدادون ضلالاً على ضلال، ويهتدي به أهل الإيمان والتصديق، فيزدادون إيمانًا إلى إيمانهم. وهدى إلى هداهم لتصديقهم بما علموه من الدين حقًا وإقرارهم به “وما يضل به إلا الفاسقين” قال أبو العالية هم أهل النفاق كما جاء به قوله تعالى: “إن المنافقين هم الفاسقون” كفانا الله شر النفاق وأهله.