إمامة الصبي المميز والعالم بأحكام الصلاة صحيحة، وهو مذهب الشافعي، وقول لأبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وأجازها مالك مع الكراهة في رواية عنه؛ واحتجوا بعموم قول النبي ﷺ: “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله” (رواه مسلم).
وهو يشمل الصغير والكبير، وبما ثبت في (صحيح البخاري)، عن عمرو بن سلمة الجرمي، قال: “قَدِمَ أبي من عند النبي ﷺ فقال: إنه سمع النبي ﷺ يقول: فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بُردة، كنت إذا سجدت تقلَّصَت عني؛ فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا أُست قارئكم”, فدل على جواز إمامة الصبي المميز، إذ لو كان غير جائز لنزل الوحي بإنكار ذلك، واحتجوا أيضاً بأن صلاة الغلام المميز صحيحة في نفسها، والقاعدة أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره.
وذهب مالك في الرواية الأخرى، وأبو حنيفة، وأحمد في -الصحيح من المذهب- كما قال “المرداوي” في (الإنصاف) إلى الإجزاء في النوافل دون الفرائض؛ واستدلوا بما (رواه عبد الرزاق) من حديث ابن عباس مرفوعاً: “ولا يَؤُم الغلامُ حتى يحتلم” وهو حديث “ضعيف” كما قال الحافظ ابن حجر في (الفتح).
فالراجح: جواز إمامة الصبي في الفرض والنفل، إذا كان هو أقرأ القوم لكتاب الله؛ لما في حديث عمرو بن سلمة من العموم، وأيضاً الصلاة اسم جنس معرف بأل، فهو يعم جميع أفراده، فيشمل النفل والفرض، وقوله: “فليؤذن أحدكم” ومن المعلوم أن النوافل لا يؤذن لها، بل مجرد أمره لهم أن يصلوا جماعة دال على أن هذه الصلاة فرض؛ لأنه لم يعهد منه ﷺ أن يأمر بأن تصلى صلاة النافلة جماعة.
فإن قيل: ليس في الحديث أن النبي ﷺ اطلع على فعلهم وأقرهم عليه.
فالجواب:أن موضع الشاهد في الدليل هو وقوع ذلك في زمن الوحي، ولا يقرّون فيه على فعل ما لا يجوز، لاسيما في الصلاة، التي هي أعظم أركان الإسلام، وقد نُبه ﷺ بالوحي على القذى الذي كان في نعله، فلو كانت إمامة الصبي لا تصح، لنزل الوحي بذلك.
قال “الإمام الشوكاني” في (نيل الأوطار): “…وأجيب بأن إمامته بهم كانت حال نزول الوحي، ولا يقع حاله التقرير لأحد من الصحابة على الخطأ؛ ولذا استدل بحديث أبي سعيد وجابر: “كنا نعزل والقرآن ينزل”، وأيضاً الذين قدَّموا عمرو بن سلمة كانوا كلهم صحابة”، وقال “أبو محمد بن حزم” : “ولا نعلم لهم مخالفًا”،، وأقول إذا جازت إمامة الصبى المميز جاز إقامة صلاة الجماعة معه من باب أولى.