اختلف الفقهاء حول المكان الذي ينظر إليه المصلي أثناء صلاته، هل ينظر موضوع السجود أو ناحية القبلة، أو غير ذلك ، وبكل هذا وردت أراء للفقهاء والعبرة في مسألة الخشوع فينظر المصلي إلى أي ناحية، شريطة ألا ينظر إلى السماء لنهي النبي ـ ﷺ ـ عن ذلك ، أو النظر عما يشغله عن صلاته ويذهب عنه الخشوع .
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله تعالى ـ :
تحدّث القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: (فَوَلِّ وجهكَ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ ) ج2 ص160 عن هذه المسألة فقال : في هذه الآية حجّة واضحة لما ذهب إليه مالك ومَن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده ، وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والحسن بن حَيً: يستحب أن يكون نظره إلى موضع سجوده ، وقال شريك القاضي: ينظر في القيام إلى موضع السجود، وفي الركوع إلى موضع قدميه، وفي السجود إلى موضع أنفه، وفي القعود إلى حجره. قال ابن العربي: إنما ينظر أمامه، فإن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه في الرأس وهو أشرف الأعضاء، وإن قام رأسه وتكلَّف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقّة عظيمة وحرج، وما جعل علينا في الدين من حرج، أما أن ذلك أفضل فهو لمن قدر عليه. انتهى .
جاء في نيل الأوطار للشوكاني ” ج2 ص196 “: أنّه صلّى الله عليه وسلم كان إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته، رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وجاء فيه أيضا بعد حديث النهي عن رفع الأبصار إلى السماء أن ابن بطّالٍ قال: فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة، وقال الشافعي والكوفيُّون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع. ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبي أمية، زوج النبيّ ﷺ، أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، إذا قام المصلِّي يصلي لم يَعْدُ بصر أحدِهم موضع قدميه، فتُوفِّي رسول الله ﷺ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، فكان عثمان وكانت الفتنة فتلفَّت الناس يمينًا وشمالاً.
ثم قال عن هذا الحديث: في إسناده موسى بن عبد الله بن أبي أمية لم يخرج له من أهل الكتب الستة غير ابن ماجه.
ليس هناك دليل يعتمد عليه، وإنما هي اجتهادات وآراء، ومن جهة نظرنا: كل مصلٍّ حر في نظره ولكن يختار ما يساعد على الخشوع في الصلاة، مع العلم بأن رسول الله ﷺ نهى عن رفع البصر إلى السّماء فقد روى مسلم والنسائي وأحمد أنه قال:” ليَنتَهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم أو لتُخطفن أبصارُهم “. ونهى عن النظر إلى ما هو يُلهي ويشغل المصلي عن صلاته. فقد البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّه صلى في خَميصة ـ كساء من خزٍّ أو صوف ـ لها أعلام، أي بها ألوان مخالفة، فقال:” شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جَهم ـ هو عامر بن حذيفة ـ وأتوني بأنبجانيّته” والأُنبجانيّة كساء غليظ له وبر وليس له علم . وكان أبو جَهم أهدى إلى الرسول الخَميصة فطلب بدلها الأُنبجانيّة.
وروى البخاري عن أنس قال: كان قِرامٌ ـ أي ستر رقيق ـ لعائشةَ سترت به جانب بيتها فقال لها النبي ﷺ:” أميطي قِرامَك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي.
ومع العلم أيضًا بأن تغميض العينين كرهه البعض وجوزه بعضهم بلا كراهة؛ لأن الحديث المروي في الكراهة لم يصح.
قال ابن القيم: الصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخلُّ بالخُشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع ـ لما في قبلته من الزخرفة والتّزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه ـ فهناك لا يكره التغميض قطعًا. والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بكَراهته.