إن الله تعالى تولى توزيع المواريث بنفسه وبين ذلك في كتابه ، ووعد من أطاع بالثواب الجزيل، وتوعد من خالف بالعقاب الشديد، وفرض تعالى لكل من الرجال والنساء نصيبا مما ترك الوالدان والأقربون قليلا كان المتروك أو كثيرا، ولا يجوز لأحد أن يكره أحد الورثة على التنازل عن نصيبه ولا على بيعه بغير رضاه، فإن حدث فلا يترتب على ذلك حل نصيبه لمن أخذه.
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
فإن الله ـ تعالى ـ حدد في كتابه الكريم حقوق الوارثين، وجعلها وصية من الله وفريضة من الله وحدود الله، ووعد من أطاع الله فيها بإدخاله جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها أبدًا، وأوعد الذين يتعدون حدوده بإدخالهم نارًا خالدين فيها، ولهم عذاب مهين.
ومع هذا الوعد والوعيد في شأن المواريث نجد كثيرًا من الناس يستهين بأمرها، ويحرم أصحاب الحقوق فيها مما فرضه الله لهم، ويجترئ بذلك على عقاب الله ووعيده، كأنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر وجزاء الظالمين فيه.
ومن أراد أن يرحم نفسه من عذاب الله فليترك توزيع أمواله لما أراده الله وحدده وأمر به، أما الذين يوزعون أموالهم حال حياتهم، ويحرمون بعض الوارثين، أو يرغمونهم على بيع نصيبهم، فإنهم يوردون أنفسهم موارد الهلاك، ويعذبونها بسبب أموال يفارقونها، وينتفع بها غيرهم، ولو أنصفوا أنفسهم لأعطوا كل ذي حق حقه، وتركوه يتصرف في ملكه كما يشاء.
وعقد البيع لا يلزم إلا بالتراضي، لقول الله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، فإذا أكره إنسان على بيع ماله، وكان إكراهًا بغير حق، فإن عقد البيع يقع باطلاً، ولا يحل لمن اشترى هذا البيع أن ينتفع به؛ لأنه أكل أموال الناس بالباطل، والله تعالى يقول: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). ويقول الرسول ﷺ: “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه.
وإذا وقع البيع رغمًا عن البنات اللاتي أكرهن على البيع بسبب الآباء، فإن هذا العقد وقع باطلاً، وعلى المشترين أن يردوا المبيع، ويستردوا الثمن الذي دفعوه، ويعود المال إلى أصحابه كأن لم يحدث بيع أصلاً.
وذلك ليرحموا آبائهم من حساب الله على ما فعلوه من إكراه البنات، والأباء يستحقون من أبنائهم أن يبروهم ويجنبوهم عذاب الله، فقد فعلوا هذا الخطأ من أجلهم حرصًا على أن يكون المال في أيدي الذكور من أبنائهم، فلا يحملنهم الطمع في هذا المال على عقوق آبائهم، وعدم تصحيح ما أخطأوا فيه، وهم شركاء في هذا الخطأ؛ لأنهم يقدرون على إصلاحه.