يكفي في الغسل تعميم الجسد كله بالماء، ولا يجب تلمس كل موضع من الجسم ليرى هل أصابه الماء أم لا؟ بل يكفي في ذلك غلبة الظن، وهذا يحصل بصب الماء على البدن، أو الوقوف تحت (الدش )، فإذا تيقن الإنسان بعد الغسل أن موضعا من جسمه لم يصبه الماء فيكفيه أن يغسل هذا الموضع فقط ، ولا يجب عليه إعادة الغسل كله، لأن الراجح عدم وجوب الموالاة، فإذا كان يشك ولا يتأكد فلا شيء عليه.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب فقه الطهارة- :
الفرض المتفق عليه في الغسل، هو: تعميم ظاهر الجسد كله بالماء. إما بأن ينغمس فيه، كما لو اغتسل في نهر أو مسبح أو مغطس أو نحو ذلك. وإما يصب الماء عليه من إبريق أو إناء أو مما نسميه في عصرنا (الدُّش). بحيث يصيب الماء جميع ظاهر البدن. لقوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ) المائدة: 6،وقوله: (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) النساء: 43. وقوله تعالى في شأن الحائض: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة: 222 .
وقد اختلفوا في المضمضة والاستنشاق في الغسل:
فبعضهم جعلها فرضا في الوضوء والغسل معا، كالحنابلة، وبعضهم جعلها سنة فيهما معا كالمالكية والشافعية، وبعضهم جعلها سنة في الوضوء، فرضا في الغسل كالحنفية .
ومما اختلفوا فيه من فرائض الغسل : النية والحنفية اعتبروها سنة، والجمهور اعتبروها فرضا للحديث المتفق عليه: “إنما الأعمال بالنيات “.
على أن الذي يخفف من هذا الخلاف: أن النية لا تنفك عمن يريد رفع الحدث، أو إقامة السنة. إذ النية محلها القلب، وليس من اللازم ـ بل ليس من المطلوب ولا المشروع ـ أن يقول: نويت الاغتسال للجنابة، أو نويت فرض الغسل، أو رفع الحدث الأكبر، أو استباحة الصلاة، أو غير ذلك مما يقوله الناس، فهذا لا ضرورة له، ولم يثبت عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من أصحابه، والخير في الاتباع، والشر في الابتداع .
وبعض الفقهاء أوجب الموالاة، وبعضهم أوجب الدلك، ولا دليل على وجوب ذلك. والأصل: براءة الذمة من التكليف حتى يثبت بنص صحيح صريح .
ونية الغسل تكفي عن الوضوء، إذ الحدث الأصغر مندرج في الحدث الأكبر. ولو اجتمع غسل جنابة وغسل جمعة: فإن غسلا واحدا يجزئ عنهما .
وقال الشوكاني بعد أن ساق هذا الحديث :-
عن عائشة (أن النبي ﷺ كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حثيات, ثم أفاض على سائر جسده, ثم غسل رجليه ) . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لهما : ثم يخلل بيديه شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ) .
قال : أبو البركات ابن تيمية:-
وهو دليل على أن غلبة الظن في وصول الماء إلى ما يجب غسله كاليقين انتهى .
أما عن مذاهب العلماء في اشتراط الموالاة:-
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الموالاة في الغسل أو الوضوء مستحبة لا واجبة.
وقال الليث : لا بد من الموالاة . واختلف فيه عن الإمام مالك ، والمقدم عند أصحابه : وجوب الموالاة , وفيه وجه لأصحاب الإمام الشافعي .
فعلى قول الجمهور : إذا توضأ مع الغسل لم يلزم الترتيب بين أعضاء الوضوء من أجل ذلك فإنه لو ترك غسل عضو أو لمعة من عضو , سواء أكان في أعضاء الوضوء أم في غيرها , تدارك المتروك وحده بعد , طال الوقت أو قصر , ولو غسل بدنه إلا أعضاء الوضوء تداركها , ولم يجب الترتيب بينها . ومن أجل ذلك قال الشافعية : لو ترك الوضوء في الغسل , أو المضمضة أو الاستنشاق كره له , ويستحب له أن يأتي به ولو طال الفصل دون إعادة للغسل.