إسبال الثوب مكروه ، وهو أن يطيل الثوب إلى أسفل الكعبين ، وهما العظمتان الناتئتان بجانبي القدم في المفصل بين الساق والقدم ( مشط الرجل ) إذا لم يقصد به الخيلاء والفخر ، ومع الكراهة تصح الصلاة ، وأما القبول فهو إلى الله تعالى ، وإن قصد به ذلك فهو حرام ، وإن كان هناك عذر في التطويل ولم يقصد به الفخر والتكبر فلا يكره .
روى الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، والإمامِ أبو دَاوُد في سُنَنُه، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والإمام أحمد في مسنده ؛ وابن حبان في “صحيحه” والترمذي في “باب كراهية السدل في الصلاة. عن أبي هريرة أن رسول اللّه ﷺ نهى عن السَّدْلِ في الصلاة، وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاه. وقال الحاكم في “المستدرك” : حديث صحيح على شرط الشيخين.
قال الإمامِ المناوي في ( فيض القدير، شرح الجامع الصغير):
(نهى عن السدل في الصلاة) أي إرسال الثوب حتى يصيب الأرض وخص الصلاة مع أنه منهي عنه مطلقاً لأنه من الخيلاء وهي في الصلاة أقبح فالسدل مكروه مطلقاً وفي الصلاة أشد .
أو سدل اليد وهو إرسالها ، أو أن يلتحف بثوبه فيدخل يديه من داخله فيركع ويسجد وهو كذلك كما هو شأن اليهود أو أراد سدل الشعر فإنه ربما ستر الجبهة.(انتهى)
وأما في غير الصلاة ، فيقول الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي :
لقد روى البخاري تعليقًا أن النبي ﷺ قال” كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة” وقال ابن عباس : كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان، سرف أو مخيلة .
يدل هذا على أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها:
” ما أسفل الكعبين من الإزار في النار” رواه البخاري وغيره وإلإزار هو ما يستر أسفل البدن، ومنه البنطلون والجلباب. ومنها: ” من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة “، رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ومنها: ” من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ” فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أنى أتعاهده، فقال له رسول الله ﷺ: ” إنك لست ممن يفعله خيلاء”، رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفي رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إنهم هم : ” المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . والمسبل هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرًا واختيالا. كما فسره الحافظ المنذري في كتابه “الترغيب والترهيب”.
وحديث “ما أسفل الكعبين من الإزار في النار” ليس عامًا للرجال والنساء فقد فهمت أم سلمة رضي الله عنها أنه عام وقال للنبي ﷺ: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا” فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: “فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه” أخرجه النسائي والترمذي وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة.
والخلاصة أن للرجال حالين، حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرًا لها شاكرًا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة.
ففي صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر” فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس”، والغمط معناه الاحتقار.
والحديث الذي أخرجه الطبري: ” إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه” محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه. لا من أحب ذلك ابتهاجًا بنعمة الله. فقد أخرج الترمذي وحسنه “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده” وأخرج النسائي وأبو داود وصححه الحاكم أن النبي ﷺ قال لرجل رآه رث الثياب: “إذا أتاك الله مالا فلير أثره عليه” أي بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلى الطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف.
هذا وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة، والثوب الطويل الذي ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لابسه من تعلق النجاسة به، فقد أخرج الترمذي عن عبيد بن خالد أنه قال: “كنت أمشي وعليَّ برد أجره، فقال لي رجل” ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى” فنظرت فإذا هو النبي ﷺ، فقلت: إنما هي بردة ملحاء – أي فيها خطوط سود وبيض – فقال: “أما لك فيَّ أسوة ؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه “فتح الباري ج10 ص264 – 275.
ويقول الدكتور القرضاوى :
عملية الإسبال، وردت أحاديث عن النبي ﷺ أنه نهى عن الإسبال، بعضها ورد فيها نهي مطلق عن الإسبال “أن يسبل إزاره” وبعضها مقيد بمن فعل ذلك اختيالا قال: ” لا يريد بذلك إلا المخيلة “، وهو حديث ابن عمر، يعني من جَرَّ إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، معنى المخيلة أي الاختيال أي يريد التبختر والفخر على الناس، وكان العرب في الجاهلية يعتبرون جَرَّ الثياب هذا من مظاهر العظمة، وإن الفقير يلبس لحد الركبة أو تحت الركبة بقليل، والغني يلبس ويجر في إزاره، فالنبي ﷺ نهى عن جَرِّ الثوب، أو جَرِّ الإزار بالذات، معظم الأحاديث جاءت في الإزار وجاء أيضا إزرة المؤمن إلى نصف الساق.
فبعض العلماء أخذ بالإطلاق وقال الإسبال ممنوع على كل حال، والبعض قال ممنوع إذا أريد به المخيلة، إذا أريد به الاختيال، أما من لم يخطر الاختيال بباله فلا يدخل، بدليل حديث ابن عمر وبدليل حديث سيدنا أبو بكر قال “يا رسول الله: إني لا أتعهد إزاري فيسترخي فقال له النبي ﷺ: إنك لست ممن يفعله خيلاء” فدل على أن فيه عِلَّة، وهذا ما ذهب إليه الإمام النووي والحافظ بن حجر، والكثير من شُرَّاح الحديث وأنا من هذا الفريق الذي يربط التحريم بالاختيال والفخر. (انتهى).