يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

فهم بعض الناس من هذه الآية أن للزوج أن يباشر زوجته في غير المحل الطبيعي للمباشرة، اعتمادًا على ما يفهمه من تعبير ” أنَّى شئتم ” وعلى ما نُقل خطأ عن بعض الأئمة، وقد جاء في البخاري ومسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دُبُرِهَا في قُبُلِهَا كان الولد أحول، فأنزل الله قوله تعالى (نِسَاؤُكُم حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ ) البقرة 223. ، وفي لفظ مسلم ” إن شاء مُجبِّيَةً وإن شاء غير مُجَبِّيَة ـ ْوالمجبية المنكبة على وجهها ـ غير أن ذلك في صمام واحد ” والصمام الواحد هو المحل الطبيعي، وهو موضع الحرث والولد .

وفي المسند عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : هلكت، قال ” وما أهلكك ” ؟ قال : حوَّلت رحلي البارحة . فلم يرد عليه شيئًا، فأوحى الله إليه (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ واتَّق الحَيْضَة والدُّبُر .
وذكر الشافعي : بسند وثَّق رجاله أن رجلاً سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن إتيان النساء في أدبارهن فقال “حلال ” فلمَّا ولَّى دعاه فقال ” كيف قلت : في أي الحرْثتين، أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين؟ أمِن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن “، وفي بعض الروايات التعبير بالحشوش والمحاش .

إن لفظ ” أنَّى ” في الآية يطلق على معان ثلاثة: أين ومن أين وكيف . والمعنى الثالث هو المقصود منها، فالتعميم في الحال لا في المكان كما بيَّنته السنة الصحيحة، والحرث هو الذي ينبت الزرع وهو الولد . وقال مجاهد : سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال : تأتيها من حيث أُمِرْت أن تَعْتَزِلَهَا، يعني في الحيض؛ لأن هذه الآية متصلة بآية الحيض .

ومن هنا يُعلم خطأ من نسب القول إلى الإتيان في غير ذلك إلى بعض الأئمة فهو مجمع على حُرْمَته، وتفصيله في شرح الزُّبيْدي للإحياء ” ج 5 ص 375 “، وزاد المعاد لابن القيم وخلاصته في الجزء الثالث من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام .