لا يجوز شرعا أن ينظر الرجل إلى الزوجة باعتبارها خادمة في البيت، ولكن النظرة الصحيحة أنهما معا شريكان في مركب واحد ، لكل منهما وظيفته التي تليق بإمكاناته وخصائصه.

وكثير من أهل العلم ذهب إلى أنه لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها ، بل عليه هو أن يوفر لها من يخدمها ، وقليل منهم من ذهب إلى العكس،  على أن أحدا منهم لم يقل إن خدمتها زوجها في مقابل النفقة عليها ، ولكنه توزيع للأدوار في الواجبات المنوطة بالأسرة ، ولكن النفقة في مقابل حبس الزوجة نفسها على زوجها، ولذلك كان له منعها من العمل إلا إذا اشترطت ذلك في العقد.

والإسلام نهى الأزواج عن شتم  زوجاتهم وإهانتهن ، وعد ذلك من المعاصي، وعلى المرأة أن لا تستسلم لزوجها في ذلك ، بل تمنعه من إهانتها، وليس بالضرورة أن يكون ذلك بسوء من الأدب، فمنعها إياه عن إهانتها ليس سوء أدب ، وإن اقتضى الأمر أن تشكوه فلها ذلك، فبعض الناس لا يزعهم إلا السلطان.

ونسوق كلمات نيرة جاءت بمجلة المنار.

أرشد الله البشر بكتابه القرآن الحكيم إلى أن للحياة الزوجية ثلاثة أركان ( أو أقانيم ) يجب عليهم تحريها فيها في قوله عز وجل : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } ( الروم : 21 ) .

فالسكون النفسي الجنسي وهو الركن الأول من هذه الأركان خاص بالزوجين ، وهو تعبير بليغ عن شعور العشق واللذة والحب الذي يجده كل منهما باتصالهما ، والملابسة بإفضاء أحدهما إلى الآخر الذي به تتم إنسانيتهما فتكون منتجة أناسي مثلهما ، وبه يزول أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل لا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه .

وإنما تكون المحافظة على هذا الركن بما أرشد كتاب الله تعالى إليه من قصد الإحصان في النكاح ، وهو أن يقصد به كل من الزوجين إحصان الآخر ، أي إعفافه وحفظه من صرف داعية النسل الطبيعية إلى لمسافحة أو اتخاذ الأخدان لأجل اللذة فقط ، وقصارى هذا الإحصان أن يقصر كل منهما هذا الاستمتاع على الآخر ويقصد حكمته وسيلة النسل وحفظ النوع البشري على أسلم وجه وأفضله .

-قال الله تعالى بعد بيان محرمات النكاح من سورة النساء : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } ( النساء : 24 ) الآية ، ثم قال بعدها في نكاح الإماء :

-وقال تعالى: { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ( النساء : 25 ) .

-وقال تعالى في سورة المائدة : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} ( المائدة : 5 ) .

والركن الثاني من أركان الزوجية المودة أي المحبة التي يظهر أثرها في التعامل والتعاون وهو مشترك بين الزوجين وأسرة كل منهما .

والركن الثالث الرحمة التي لا تكمل للإنسان إلا بعواطف الأمومة والأبوة ، ورحمتهما لأولادهما ، فيكون لكل البشر أو الأحياء حظ من هذه الرحمة الكاملة ، إذا لم يكن فساد التربية والمعاشرة أو تعاليم العداوات أو العصبيات بين البشر مفسدة لها ، أو قاصرة لها على المشاركين في القومية أو العقيدة أو الوطن ، ومن تفكر في هذه الأركان الثلاثة حق التفكر علم أن عليها مدار سعادة الزوجية التي هي جل سعادة الإنسانية ، ولذلك قال تعالى بعد بيانها : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم : 21 ) [5] .

المساواة بين الزوجين ودرجة الرجال عليهن:

إن الإصلاح الأكبر الذي جاء به الإسلام ، ونزل به القرآن في شأن النساء هو الآية ( 228 ) من سورة البقرة ، فهذه الآية قد هدمت جميع ما كان من النظريات والدعاوى والعادات والتقاليد التي يستبد بها الرجال الأقوياء ويستعلون على النساء الضعيفات في أنفسهن وأموالهن وأولادهن ، وقد فسَّرنا هذه الآية في الجزء الثاني من تفسيرنا بما بيَّنا به هذه الدرجة وننشر هنا ملخصه وهذا نصه :

{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } ( البقرة : 228 ) .

هذه كلمة جليلة جدًّا جمعت على إيجازها ما لا يؤدى بالتفصيل إلا في سِفر كبير ، فهي قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق إلا أمرًا واحدًا عبر عنه بقوله : ] وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [ وهذه الدرجة مفسرة بقوله تعالى :

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } ( النساء : 34 ) الآية ، وقد أحال في معرفة ما لهن وما عليهن على المعروف بين الناس في معاشرتهن ومعاملاتهم في أهليهن ، وما يجري عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم ، فهذه الجملة تعطي الرجل ميزانًا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال ، فإذا همَّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي ) لهذه الآية .

وليس المراد بالمثل المثل لأعيان الأشياء ؛ وإنما أراد أن الحقوق بينهما متبادلة وأنهم أكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها إن لم يكن مثله في شخصه ، فهو مثله في جنسه ، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كماأنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل ، أي أن كلاًّ منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه ، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به ، ويكره ما لا يلائمه وما ينفر منه ، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ، ويتخذه عبدًا يستذله ويستخدمه في مصالحه ، لا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه .

قال الأستاذ الإمام قدَّس الله روحه : هذه الدرجة التي رفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ، ولا شريعة من الشرائع ، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده ، وهذه الأمم الأوربية التي كان من تقدمها في الحضارة والمدنية أن بالغت في تكريم النساء واحترامهن ، وعنيت بتربيتهن وتعليمهن العلوم والفنون ، لا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون إذن زوجها ، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرنًا ونصف .

وقد كان النساء في أوربا منذ خمسين سنة بمنزلة الأرقاء في كل شيء ، كما كن في عهد الجاهلية عند العرب أو أسوأ حالاً ، ونحن لا نقول إن الدين المسيحي أمرهم بذلك ؛ لأننا نعتقد أن تعليم المسيح لم يخلص لهم كاملاً سالمًا من الإضافات والبدع ، ومن المعروف أن ما كانوا عليه من الدين لم يُرقِّ المرأة ؛ وإنما كان ارتقاؤها من أثر المدنية الجديدة في القرن الماضي .

وقد صار هؤلاء الإفرنج الذين قصرت مدنيتهم عن شريعتنا في إعلاء شأن النساء يفخرون علينا ، بل يرموننا بالهمجية في معاملة النساء ، ويزعم الجاهلون منهم بالإسلام أن ما نحن عليه هو أثر ديننا . ذكر الأستاذ الإمام في الدرس أن أحد السائحين من الإفرنج زاره في الأزهر وبينا هما ماران في المسجد رأى الإفرنجي بنتًا مارة فيه فبهت وقال ما هذا ؟ أنثى تدخل الجامع ، فقال له الإمام : وما وجه الغرابة في ذلك ؟ ، قال : إننا نعتقد أن الإسلام قرر أن النساء ليس لهن أرواح

وليس عليهن عبادة ، فبيَّن له غلطه وفسَّر له الآيات فيهن ، قال : فانظروا كيف صرنا حجة على ديننا ؟ وإلى جهل هؤلاء الناس بالإسلام حتى مثل هذا الرجل الذي هو رئيس لجمعية كبيرة فما بالنا بعامتهم ؟

مقتضى الفطرة في أعمال الزوجين:

هذا وإن ما تقرر في السُّنة من اقتسام أعمال الزوجين بين الرجل والمرأة هو مقتضى الفطرة – والإسلام دين الفطرة – فقد فضَّل الله الرجل في خلقته بقوة في الجسم والعقل كان بها أقدر على الكسب والحماية والدفاع الخاص بالأسرة ، والعام للأمة والدولة ، ومن ثم فرض عليه النفقة ، وبها كان الرجال قوامين على النساء يتولون الرياسة العامة والخاصة التي لا يقوم النظام العام ولا الخاص بدونها ، فعليه جميع الأعمال الخارجية في أصل الفطرة ، وهذا ما عليه جميع أمم الحضارة .

ومن مقتضى الفطرة اختصاص المرأة بالحمل والرضاع وحضانة الأطفال وتربيتهم وتدبير المنزل بجميع شؤونه ، ولها الرياسة في جميع الأعمال الداخلية المحضة فيه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها ) الحديث ، وهو متفق عليه .

ولا ينازع في تفضيل الله الرجل على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو مكابر ، فهو أكبر دماغًا وأوسع عقلاً ، وأقوى عضلاً ، وأعظم استعدادًا للعلوم وأقدر على مختلف الأعمال ، بل هو يؤدي وظيفته من حكمة الزوجية وهي النسل كإفراغ مادته بإرادته واختياره في عامة أحواله ، والمرأة ليس لها قدرة على مثل هذا ؛ وإنما تنشأ فيها بويضات النسل في أوقات مخصوصة لا إرادة لها فيها ، والحيوان المنوي الذي يلقح هذه البويضات هو الذي يسعى إليها في مكانها من مدخل الرحم إلى مستقره فيلقحها ، وليست هي التي تسعى إليه ، بل هي لا تشاركه أيضًا في هذا المسعى ؛ وإنما تنتظره انتظارًا ، فمنه الحصول والفعل ، وعليها القبول والانفعال ، ويجد في البيضة التي يلقحها الغذاء الذي يكون به النمو ؛ وإنما الحركة والنمو من خاصيته لا منها ، إلى أن تتكون النطفة المتحدة بالتنقل في الأطوار فتكون جنينًا لإنسان كامل ، فكذلك يسعى الرجل ويكدح وينقل ما يكسبه إلى المرأة في الدار فتتصرف فيه بما تقتضيه حاجة الأسرة من غذاء وغيره .

ومن استقرأ طباع النساء السليمات الفطرة من جناية سوء التربية وفساد النظام يرى أن الثابت في غرائزهن أن خير الأزواج وأولاهم بالاختيار من كان قادرًا على الكسب وحماية النسل وصيانته ، وما تتوقف عليه تربيته إلى أن يبلغ أشده ، وقد ألقت غير واحدة من الصحف الإفرنجية ولا سيما الإنكليزية أسئلة على النساء فيمن يفضلن من الأزواج وصفات الرجال ، فجاءت أكثر أجوبتهن على ما ذكرنا .