للنفس إطلاقاتٌ كثيرة، فقد تُطلق على الذات وعلى الدم كما يقول الفقهاء” وما لا نفس له سائلة إذا وقع في الإناء ومات فيه فإنّه لا يُنجِّسه”، وتُطلق على غير ذلك، والذي يُهِمّنا هو إطلاقها على اللطيفة الرّبانيّة التي هى الأصل الجامع لقوتي الغَضب والشّهوة في الإنسان كما يقول أهل التصوف: لابد من مجاهدة النفس وكسرها، وكما يعبّر عنه القول المشهور ـ وهو ليس بحديث ـ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك وقد يرادُ بالنفس ذات الإنسان وحقيقته، وهى على كل حال من أعظم الدلائل على قدرة الله في خلقتها وأسرارِها قال تعالى في قسمه بها، وهو لا يقسم إلا بالعظيم الخطير: ( ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجورَهَا وتَقْواهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (سورة الشمس : 7 ـ 10) أي: من دنّسها بالمعاصي.
إنّ هذه النفس توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها:
-فإذا سكنت لأمرِ الله ولم تعارِضها الشهوات سمِّيت النفس المطمئنة، قال تعالى: (يا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطمئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكَ رَاضِيةً مَرْضِيَّةً) (سورة الفجر : 27 ، 28) .
-وإذا قبلت أمر الله ومع ذلك قامت بمدافعة الشهوات واعترضت عليها سمِّيت النفس اللوّامة؛ لأنها تلوم صاحبها عند التقصير في الطاعة، قال تعالى: ( ولا أُقْسِمُ بالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ) (سورة القيامة : 2).
-فإن أذعنت للشهوات ولم تعترض عليها وأطاعت الشيطان سمِّيت النفس الأمارة بالسُّوء قال تعالى: ( ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبِّي ) (سورة يوسف : 53) .
فأحسن أنواعها هي النفس المطمئنة، ثم النفس اللوّامة التي يُعبَّر عنها أحيانًا بالضمير حين يحاسب الإنسان بعد الفعل وعندما يتربَّى يُرشده إلى الخير قبل الفعل، ويحرُسه في أثنائه ويرضى عنه بعد انتهائه.
ومهما يكن من شيء فهي ليست نفوًسا منفصلة، ولكنها نفس واحدة لها عدة أحوال، ويمكن بالتربية الدينيّة أن يتغلّب الإنسان على شهواته التي تدفعه إلى السوء وأن يجعل ضميره حيًّا يقظًا يأمره بالخير وينهاه عن الشرّ، وأن يتصاعد في التربية العملية حتى إلى حالة أو مقام تكون نفسه فيه راضية مطمئنة، وللمزيد من المعلومات يرجع إلى ” إحياء علوم الدين للغزالي ” وإلى كتب الأخلاق والتصوف.