يقول الدكتور أحمد الشرباصي ” رحمه الله ” الأستاذ بجامعة الأزهر :

الجهاد فريضة لازمة باقية؛ لأن الجهاد في سبيل الحق والحرية والمبدأ والعقيدة هو طريق العزة، التي جعلها الله شأن الأمة المؤمنة قال تعالى:( وللهِ العِزّةُ ولِرَسولِهِ ولِلمؤمِنينَ ولَكِنَّ المُنافِقينَ لاَ يَعْلمونَ ) (المنافقون: 8).

والجِهادُ مِنْ شَأْنِه أن يكون فيه تعب ومشقّة، كما أنه يحتاج في الغالب إلى أن يكون المجاهد قويًّا في جسمه، قد توافر له من الغذاء والشراب ما يُعينه على متاعب الجهاد؛ لذلك أباحت الشريعة الإسلامية للمجاهد أن يفطر، وقد يجب الإفطار، ورُوي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: سافرنا مع رسول الله ـ ـ إلى مكة ( يبدو أن ذلك كان في غزوة الفتح ) ونحن صيام ( صائمون ) فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله، : “إنكم قد دنوتم من عدوِّكم، والفطر أقوى لكم”. فكانت رخصة ( أي تتضمن الجواز والإباحة ) فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: “إنكم مُصَبِّحو عدوِّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطِروا”، فكانت عزيمة ( أي أمرًا واجبًا )، فأفطَرْنا، ثم رأيتُنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله ـ ـ في السفر.

وعن أبي سعيد أيضًا:” كنا نغزو مع رسول الله ـ ـ في رمضان، فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ( أي لا يَعيب عليه ) ولا المفطر على الصائم، ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرَون أن من وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن”. رواه مسلم وأحمد.

ونخلص من هذا بأن المجاهد له الحق في الإفطار، سواء قدر على الصوم أو صعب عليه؛ لأن من شأن الجهاد أن يكون شاقًّا، وتوفير القوة للمجاهد أمر لازم؛ ولذلك لو احتاج الجهاد إلى الإفطار وتوقف عليه، كان الإفطار واجبًا، حتى ولو كان المجاهد – في حدِّ ذاته كفرد – قادرًا على الصوم. والحكمة في ذلك هو ضمان كسب المعركة، وتوفير الجهاد كله للنضال حتى تعلو كلمة الله.

والمفروض أن الجهاد له وقت محدود، فإذا انتهى وأفطر فيه المجاهد، استطاع بعد ذلك أن يقضي، ولكن إذا طال الجهاد واستمر، أو كان من شأن المجاهد أن يبقى في ميدان الجهاد، وصار ذلك عمله المستمر، فإنه يلحق بصاحب الأعمال الشاقة المرهقة فيفدي عن كل يوم بإطعام مسكين إن عجز عن الصوم .