الأصل هو أن الصلاة منوطة بإذن الإمام كما أن الأذان مفوض للمؤذن، ولكن على الإمام أن يكون رفيقا بمن يصلي بهم ولا يشق عليهم، أما عن تحديد الوقت الذي بين الأذان والإقامة فإن الشرع لم يضيق على الناس ويحدد لهم وقتا معينا بل تركه لحال الناس، لان المقصود هو تمكين الناس من الصلاة جماعة فيكون الانتظار على قدر استعداد الناس لأداء الجماعة بعد سماعهم للنداء، وعلى الإمام أن يراعي حال الناس، فالإقامة لصلاة الفجر حيث الناس نيام غير الإقامة لصلاة الظهر والناس مستيقظون متنبهون، والذي يقيم للصلاة هو المؤذن بعد أخذه للإذن من الإمام.
قال ابن قدامة في المغني: ولا يقيم حتى يأذن له الإمام، فإن بلالا كان يستأذن النبي ﷺ، وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي، أنه قال: فجعلت أقول للنبي ﷺ أقيم أقيم؟. وروى أبو حفص، بإسناده عن علي قال: المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة.
قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: وقت الأذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام، ووقت الإقامة منوط بالإمام فلا يقيم المؤذن إلا بإشارته. أهـ
كما ينبغي للإمام أن لا يشق على المصلين بالتأخير في الخروج إليهم.
قال الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الرشيد – عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
لا يوجد في أدلة الشريعة – حسب علمي- ما يدل على تحديد مقدار وقت الانتظار بين الآذان والإقامة بحيث لا يجوز القصور عنه أو الزيادة عليه، وإنما يستحب أن تكون الإقامة بعد الأذان بوقت يكفي لاستعداد الناس للصلاة، وذلك لأن الأذان إنما هو إعلام بدخول الوقت، ولا يتحقق المقصود من الأذان، إلا بانتظار وقت يكفي لاستعداد وحضور من أعلموا بدخول الوقت، وإذا نظرنا في سنة خير الخلق عليه الصلاة والسلام نجد أن الأمر فيه سعة من حيث وقت الانتظار بين الأذان والإقامة، والأمر الذي استمر عليه النبي عليه الصلاة والسلام هو الانتظار القليل بين الأذان والإقامة، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه- الذي رواه أحمد(21285)، والترمذي(195)، وفيه أن رسول الله – ﷺ- قال لبلال: “اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته”.
ويتضح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن المقصود من الانتظار هو تمكين المسلمين من ترك أعمالهم وقضاء حوائجهم، ومن ثم حضورهم إلى المسجد، ولذلك فإن المندوب تأخير الصلاة قليلاً عند تأخر المصلين في الحضور إلى المسجد، وتقديمها عند حضورهم إلى المسجد، ويدل على هذا ما رواه البخاري(565) من حديث الحسن بن علي – رضي الله عنهما- أنه سأل جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- عن صلاة النبي – ﷺ- فقال: “….والعشاء: إذا كثر الناس عجَّل، وإذا قلوا أخّر”، ونظراً لكثرة المساجد اليوم، وعدم اختصاصها بمن هو ساكن حولها، فإن الأفضل أن يجعل بين الأذان والإقامة وقتاً محدداً يكون معروفاً عند الناس- كما هو معمول به في بلادنا اليوم- بحيث يلتزم به الأئمة والمأمومون، ومع هذا التحديد لا يحصل الخلاف.
ومما تحسن الإشارة إليه أنه ينبغي مراعاة حال الناس عند كل صلاة، فصلاة الفجر يكون الانتظار فيها أطول من غيره، ليتمكن الناس من الاستيقاظ من النوم والاستعداد للصلاة، وهكذا كل صلاة بحسب ما يناسب حال المسلمين فيها، كما ينبغي مراعاة أماكن وجود المساجد، فالمساجد الموجودة في الأسواق أو القريبة منها يكون الانتظار فيهاً قليلاً، لئلا يتضرر أصحاب الأسواق بطول الانتظار، وهذا بخلاف المساجد الموجودة في الأحياء السكنية فلا ضرر عليهم من الانتظار المتعارف عليه.