لا يجوز للمأموم أن يفارق الإمام –أي يتم صلاته منفردا- في صلاة الجماعة إلا إذا كان هناك عذر، ومن الأعذار التي تجيز المفارقة المشقة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات مال أو تلفه، أو المسافر يخاف فوات رفقة، ومنها أن يطرأ على المأموم احتباسُ البول أو الغائط أو الغازات في بطنه أو القيء بحيث لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فله أن يخفِّف في الصَّلاة وينصرف..
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الأصل فيمن يصلي جماعة أن يتم الصلاة مع الإمام ولا يجوز له مفارقة إمامه إلا من عذر وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا… ) رواه البخاري ومسلم.
وأجاز جمهور أهل العلم للمأموم أن ينفرد عن الجماعة لعذر وهي المسألة المسماة مفارقة الإمام والمقصود بمفارقة الإمام قطع الإقتداء به وإتمام الصلاة منفرداً والأصل فيها ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ بهم البقرة قال فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا– وهو ما يستقى عليه من الإبل – وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم أني منافق فقال النبي ﷺ يا معاذ أفتان أنت ثلاثاً – أي منفر من الصلاة وصادٌ عنها – اقرأ {والشمس وضحاها }و {سبح اسم ربك الأعلى } ونحوها) رواه البخاري.
وفي رواية عند مسلم عن جابر رضي الله عنه ( قال كان معاذ يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي ﷺ العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله ولآتين رسول الله ﷺ فلأخبرنه فأتى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله ﷺ على معاذ فقال يا معاذ أفتان أنت إقرأ بكذا وإقرأ بكذا قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال إقرأ { والشمس وضحاها } { والضحى والليل إذا يغشى }و {سبح اسم ربك الأعلى} فقال عمرو نحو هذا )
قال الإمام النووي [ واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفرداً وإن لم يخرج منها ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/136.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ وإن أحرم مأموماً ثم نوى مفارقة الإمام وإتمامها منفرداً لعذر جاز، لما روى جابر قال:( كان معاذ يصلي مع رسول الله ﷺ صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم، فأخر النبي ﷺ صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله ﷺ فأخبره، فأتى النبي ﷺ فذكر له ذلك، فقال: أفتان أنت يا معاذ؟! أفتان أنت يا معاذ؟! مرتين، إقرأ سورة كذا وسورة كذا، وقال وسورة ذات البروج { والليل إذا يغشى} {والسماء والطارق } و{ هل أتاك حديث الغاشية }) متفق عليه. ولم يأمر النبي ﷺ الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله ] المغني 2/171.
وذكر الفقهاء الأعذار التي تجيز للمأموم أن يفارق إمامه فمنها التطويل في القراءة على خلاف السنة كما حصل مع معاذ رضي الله عنه حيث إنه قرأ سورة البقرة في صلاة العشاء وقراءتها في العشاء تطويل فلذا زجره النبي ﷺ. وضابط التطويل أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة لا خارجاً عن العادة.انظر الشرح الممتع 2/306.
ومنها إذا أصيب المأموم بمرض مفاجىء أثناء الصلاة ولم يستطع التحمل فله مفارقة الإمام.
[ ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ – ريح في بطنه – يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه فينفرد ويخفِّف وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ عليه احتباسُ البول أو الغائط فيُحصر ببول أو غائط لكن إذا قُدِّرَ أنه لا يستفيد من مفارقة الإمام شيئاً؛ لأن الإمام يخفِّف، ولو خفَّف أكثر من تخفيف الإمام لم تحصُل الطُّمأنينة فلا يجوز أن ينفردَ؛ لأنه لا يستفيد شيئاً بهذا الانفراد.] الشرح الممتع 2/306-307.
ومن الأعذار التي تجيز المفارقة فيما إذا سها الإمام عن الجلوس الأخير في الصلاة فقام إلى ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء فسبح بعض المصلين فلم يرجع فالمأموم إذا كان متيقناً أنه صلى الصلاة تامة فلا يجوز أن يتابع الإمام في الركعة الزائدة فإن فعل بطلت صلاته لأنه تعمد الزيادة في الصلاة والمأموم في هذه الحالة مخير بين أمرين فإما أن يبقى جالساً حتى يسلم الإمام فيسلم معه وإما أن ينوي مفارقة الإمام.
قال الإمام النووي [ وإن تمت صلاة المأموم أولاً لم يجز له متابعة الإمام في الزيادة، بل إن شاء فارقه عند تمامها وتشهد وسلَّم، وتصح صلاته بلا خلاف، لأنه فارقه بعذر يتعلق بالصلاة، وإن شاء انتظره في التشهد وطوَّل الدعاء حتى يلحقه الإمام ثم يسلم عقبه.] المجموع 4/209.[ وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب : إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن. ] مجموع الفتاوى 23/53.
ومن الأعذار التي تجيز المفارقة إذا اختلف نظم صلاة المأموم عن صلاة الإمام كمن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء أو من يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر فيجوز للمأموم أن يفارق الإمام نظراً لاختلاف نظم الصلاتين.
قال الإمام النووي [ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام، ويسلم معه وهذا الأفضل، وإن شاء نوى مفارقته وسلَّم، ولا تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف لتعذر المتابعة وكذا فيما أشبهها من الصور، ولا فرق في جميع ذلك بين أن ينوي المفارقة في صلاة فرض أو نفل ] المجموع 4/237.
ومن الفقهاء من وضع ضابطاً للأعذار التي تجيز المفارقة فقد قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والأعذار التي يخرج لأجلها مثل المشقة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خشية غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوات مال أو تلفه، أو فوات رفقة، أو من يخرج من الصف لا يجد من يقف معه، وأشباه هذا ] المغني 2/171.
وينبغي أن يعلم أن الاختلاف بين مذهبي المأموم والإمام لا يجيز المفارقة فمثلاً إذا قنت الإمام في الفجر فلا يجوز للمأموم أن يفارقه لأنه لا يعمل بالقنوت للفجر لقول النبي ﷺ ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) وكذلك في التراويح إذا كان الإمام يصليها عشرين ركعة والمأموم يصليها ثمان مثلاً فلا ينبغي له مفارقة الإمام لما ورد في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ ( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن صحيح. ولأن الزيادة على ثمان ركعات في التراويح جائزة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وخلاصة الأمر أن مفارقة المأموم للإمام في صلاة الجماعة تصح لعذر ولا ينبغي له أن يفارقه بدون عذر.