أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ بأسباب الشفاء فقال: (تداووا عباد الله فإن الله لا يضع داء إلا وضع له دواء ) ولذلك فعلى المريض الذي يعاني من اضطرابات نفسيه ونوبات صرع أن يسارع بعرض نفسه على الأطباء المتخصصين.

أما أن نعلق مثل هذه الأمراض على وجود الجن والسحر فهذا أمر قد يؤدي بالمرء أن يقع فريسة للدجالين والمشعوذين وفي ذلك من الخطورة ما لا تحمد عقباه من وهن النفس والبدن وفساد العقيدة، ومع ضرورة عرض الأمر على الأطباء المتخصصين، فلا بد من المداومة على قراءة المأثور من الذكر والإكثار من تلاوة القرآن وأن يحرص المريض على القيام بذلك بنفسه دون حاجة إلى الاستعانة بزيد أو عمرو..

يقول سماحة المستشار فيصل مولوي –رحمه الله تعالى-نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
قد يعتري الإنسان حالات من الضعف أو الاضطراب النفسي والجسدي لأسباب قد تكون غير واضحة. وهذا شيء طبيعي خاصة في هذا الزمان الذي نعيشه. أما أن يتهالك هذا الإنسان فلا يقوى على القيام فضلاً عن المقاومة والثقة بالنفس فهذا الذي لا يصح أن يكون خاصة من المؤمنين.

لقد حذّرنا القرآن الكريم من خطورة عنصر الخوف في النفس، وأنه عنصر مدمر يعطل كل أجهزة التحكم ويشل الحركة العقلية والجسدية تماماً فتموت الإرادة والعزيمة وتحل الهزيمة النكراء بالخائف، وقد يكون هو الأقوى في الأساس.

إن مما جاء به القرآن الكريم في مثل هذا قوله تعالى (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) سورة الجن آية 6.

ما أريد قوله هو أن الإنسان أحياناً يصنع لنفسه المشاكل أو الهزائم، فمن أول وهلة يشعر بتغيّر حاله يتبادر إلى ذهنه أنه مسحور أو أصابه مسّ من الجن، وكثيراً ما يكون الأمر لا هذا ولا ذاك، ثم إنه يقوم بتكريس هذا الوهم كذلك بذهابه إلى المشعوذين الذين لا يرقبون فيه إلاًّ ولا ذمة، فيهوّلون عليه إنه مسحور أو ملبوس فيذهب إلى أحدهم فيقول له: إنه مسحور، ثم يذهب إلى ثاني فيقول له: إنه ملبوس عن طريق اعتداء الجن عليه ثم يعطوه الأدوية، التي لا صلة لها بالأدوية التي قدمها لنا نبيّنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من الكتاب والسنة سواء كان الداء سحراً أو مسّاً.

ومن هنا ننصح المبتلى بكثرة قراءة القرآن الكريم، ومنها قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وآية الكرسي، وسورة البقرة بكاملها، وقبل هذا كله عليه بحسن العودة إلى الله تعالى بالعبادة والابتعاد عن المعاصي، فإنه إن تحصن بهذا فلن يخلص إليه شيطان. ونحن نذكّر أن الله تعالى قال (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) ثم إن عباد الله المخلصين قد عصمهم الله من شر الشيطان كما جاء في الآية، وما بقي للشيطان هو محاولة الإغراء والغواية من بعيد.

فإذا كان المسلم صاحب إيمان راسخ ويقين قوي وعنده عظمة لله في النفس كان هو الأقدر على دحر الشيطان ووساوسه، قال تعالى (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم….) سورة إبراهيم آية 22. وهذا يعني أن الشيطان ليس له سلطة على أحد إلا بالدعوة إلى الغواية من بعيد، كما قال تعالى (قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) سورة ق آية 27. وهذه الآيات هي التي ندين بها وهي قاعدة منطلقاتنا في هذه المجالات كلها.

نعم هناك نوع آخر من تسلط الجن على الإنسان، وهو مثل ما يكون بين الأشخاص من البشر من قتل أو تخريب أو تكسير وما إلى ذلك، ومن ذلك ما ورد أن فتىً دخل بيته فوجد ثعباناُ فرماه بسهم فمات الثعبان والفتى معا، والحديث صحيح، وقد أشار عليه الصلاة السلام على الناس أنهم إذا رأوا شيئاً من هذا أن يستأذنوه ثلاثاً فإن ذهب وإلا قتلوه. وهذا يعني أنه إن كان جنياً يذهب فيما يبدو، فهذا لا علاقة له بالقضايا النفسية التي نتحدث عنها.

أما مسألة المنامات المزعجة المخيفة التي يراها في منامه فتكون بأسباب كثيرة جداً ولا تنحصر بسبب واحد، ومنها الفقر وضيق العيش والمرض والمشاكل الأسرية، وقد تكون بأسباب معاكسة لهذه تماما.
والعلة الجامعة هي كل ما يشغل الفكر كثيراً، وهذا ليس بالضرورة يكون في كل إنسان وإنما هو الغالب، كما قد تكون الأسباب الباعثة على هذا هو ما سوف يواجهه في مستقبل حياته فيراه سلفاً، ومنهم من يراها وهو طفل صغير يحدث له بعد بلوغ الحلم، وقد حدث لرجل أعرفه جيداً منذ صغره مثل هذا، فكان يرى الأحلام المرعبة والمخيفة وهو الآن .
قد جاوز حد الأربعين ولا يزال في خضمّ ما كان يراه منذ أمد بعيد.

إن ما يرى الإنسان من الأحلام على هذا الطراز ليس بالضرورة ضرراً عليه، فقد يكون الحلم أو الرؤيا في المنام ] والعامة لا يفرقون بين الحلم والرؤيا والحقيقة هناك فرق بينهما، فالرؤيا للمنام الحسن، والحلم للمنام القبيح كما جاء في الحديث[تنبيهاً لصاحب الحلم يلفت نظره إلى هذه الناحية فيتنبه لمخاطرها. وهذا لا يعرفه كثيرون كما جاء في قصة يوسف عليه السلام عندما رأى الملك الحلم فأوله له يوسف عليه السلام، وكما حصل لموسى عليه السلام قبل ولادته من رؤيا فرعون أنه سيأتي غلام ويهدم ملكه، فجعل يقتل كل طفل يولد، غير أن هذا الذي رآه الملك كان كما قال العلماء بمثابة الاستدراج له وليس من باب الكرامة ومثل هذا كثير وكثير جداً.

فننصح كل مبتلى بما ننصح به أنفسنا من صدق التوجه إلى الله تعالى والبعد عما يجلب سخطه، وننصح بقراءة القرآن والأذان والإقامة، فقد ورد حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يهرب أيضاً من الأذان والإقامة للصلاة، كما ننصح بحل مشاكله إن وجدت، وأن يريح نفسه وأن يكون صاحب إرادة قوية لمواجهة العوارض، وليكن ثقته بالله كبيرة، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن مع العسر يسراً. والله أسأل أن يفرج عنا وعن جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمّهم وما أغمّهم.

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر –رحمه الله تعالى-رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا-:
هناك أمراض عصبيّة ترجع إلى مؤثّرات جِسميّة أو نفسيّة يعرِفها الأطِّبّاء بالفحص ويعالجون مصدرَها بالعقاقير والأدوية الحديثة أو الوسائل الأخرى التي يعرِفها أهل الذّكَر، ولابدّ من عَرض المَريض عليهم أولاً: فإن شُفِيَ فبها، وإلا كان الصَّرَع له مصدر آخر، وهذا المصدر الآخر يشكّ فيه كثير من الناس، وإن كانت الأحوال النفسيّة والرُّوحيّة حقيقة واقعة لا مجال للشك فيها، ولها مدارسها المتخصِّصة الآن.

وإذا كانت للصّرع عدة أسباب، ومنها ماديّة ومنها نفسيّة أو رُوحية أو أخرى، فلا ينبغي أن نُنكرَ ما نجهَل، فالعالَم مملوء بالأسرار، وقد بدأ العلم يكشِف بعضها، وفي الوقت نفسه لا ينبغي أنْ يُتخّذ ذلك ذَريعة للدَّجل والشَّعوذة، واستغلال جَهل النّاس أو سَذاجتهم، فلنلجأ إلى الوسائل الماديّة أوّلاً، وهي كَثيرة وسهلة التناول، فإن عجز المخلوق فلنتوجّه إلى الخالِق بالإيمان به، وصدق الاستغاثة والثقة به، كما استغاثَه الأنبياء فكشف عنهم الضُّرَّ ونجّاهم من الغَمِّ، والقرآن خير شاهد على هذه الحقيقة .