المعلوم أنَّ الولد إذا رضع من امرأة في مُدة الحَوْلَيْن خمس رضعات معلومات صار ـ على رأي الشافعي وهو المختار للفتوى ـ أخًا لكلِّ أولادها، يستوي في ذلك من رضع معه ومن رضع قبله أو بعده ـ فلا يصح أن يتزوج من إحدى بناتها؛ لأنهن أخواته، ولا من أخوات المُرْضِع؛ لأنهنَّ خالات له، وكذلك لو رضعت بنتٌ من امرأة حُرِّمَ عليها كلُّ أولادها؛ لأنهم إخوتها، وحُرِّمَ عليها إخوة المُرْضِع؛ لأنهم أخوالها، وقد جاء في الحديث المتفق عليه “يَحْرُمُ من الرِّضاع ما يَحْرُمُ من النَّسَب”.
لكن هل يصير زوج المُرْضِع أبًا للرضيع؟ هذه مسألة اخَتَلفَ فيها الفقهاء قديمًا وحديثًا ، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهبِ الأربعةِ، على أنَّ الرضاع يثُبت أبوة زوج المُرْضِع للرضيع، فهو الَّذي تَسَبَّبَ في نزول لبنها الذي رضعه، وعليه يكون جميع أولاد هذا الزوْج إخوة وأخوات للرضيع، يستوي في ذلك أولاده من الزوجة التي أرضعت الرضيع، وأولاده من الزوجة الأخرى التي لم يرضع منها.
ودليلهم في ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل عليَّ أفْلَحَ أخو أبي القعيس، فاستترتُ منه ولم آذن له، فقال أتستتري مني وأنا عمُّك؟ قلتُ: من أين؟ قال: أرضَعَتك امرأة أخي، فقلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يُرضعني الرجل، فدخل على رسول الله ـ ﷺ ـ فحدَّثه، فقال: “إنه عمُّكِ فليدخل عليك” ومن أدلتهم كذلك ما رواه البخاري أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ سُئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية، والأخرى غلامًا، فهل يتزوجان؟ فقال: لا، اللِّقاح واحد.
يقول النووي: لم يُخالف في هذه المسألة إلا أهل الظاهر وقليل، ودليلهم عقلي أكثر منه نقليًا، فما احتجوا به ليس نصًا في دعواهم.
وتفريعًا على رأي الجمهور في ترتُّب التَّحريم على لبن الفَحْل وهو زوج المُرْضِعَة، قد يكون الأخوان من الرِّضاع شقيقين إذا رضعا من زوجة رجلٍ واحد، وقد يكونان أخوين لأم، إذا أرضعت أحدهما بعد ولادتها من زوْج، ثم أرضعت الآخر بعد ولادتها من زوجٍ آخر، وقد يكونان أخوين لأب، إذا كان لرجل زوجتان، رَضَعَ أحدهما من زوجة والآخر من زوجته الأخرى.