أمر الله تعالى بترك معصيته ،لما في ذلك من مخالفة أمره،وإتيان نهيه ،وفي ذلك من غضب الله تعالى ما فيه،فإن الله تعالى يغار،وغيرة الله أن يأتي العبد ماحرم الله ،كما أخبر المعصوم  ،ولكن العصيان درجات ،فمنه ماهو كبائر ،وهي عظائم الذنوب،ومنه من هو صغائر،التي هي اللمم من المعاصي.

وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه الكبائر ،فمنهم من ضيق فيها ،ومنهم من وسعها،وعلى كل ،فالمرء مطالب بترك المعاصي صغيرها وكبيرها .

أو ما عبر عنه الشاعر الحكيم:

خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرََ ض الشوك يحذر مايرى
لا تحقرن صغيـــرة إن الجبال من الحصى.

كم عدد الكبائر وما هي:

الكبائر 50 نوع عدها الإمام الذهبي، وهذه أهم الكبائر التي عدها الإمام الذهبي في كتابه الكبائر: 

1 – الإشراك بالله :قال تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار } . وقال النبي  ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله .. ) متفق عليه . وهو نوعان : شرك أكبر وهو عبادة غير الله ، وشرك أصغر ومنه الرياء.

2 – قتل النفس : قال تعالى : { ومن يقتل مؤمنًا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا } . وقال النبي  : ( اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر . وقتل النفس التي حرم الله .. )

3 – السحر : قال الله تبارك وتعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال  : ( اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله . والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .. ) متفق عليه

4 – ترك الصلاة : قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا إلا من تاب .. } . وقال  : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد والترمذي والنسائي

5 – منع الزكاة : قال تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون }

6 – عقوق الوالدين : قال تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً . إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا } وقال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ .. ) فذكر منها عقوق الوالدين . متفق عليه

7 – الزنا : قال تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً }. وقال  ( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان . فكان على رأسه كالظلة . فإذا أقلع رجع إليه } [ رواه أبو داود والحاكم ]
8 – اللواط : قال تعالى عن قوم لوط { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } وقال النبي  ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) [ النسائي ]

9 – أكل الربا : قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .. } وقال  : ( لعن الله آكل الربا وموكله) رواه مسلم

10 – أكل مال اليتيم :قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا } وقال تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن }
11 – الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله  : قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } . وقال  : ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) [ رواه البخاري ]

12 – الكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه : قال تعالى : { إنه لا يحب المستكبرين } [ النحل : 23 ] وقال  : ( لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر ) ] رواه مسلم
13 – شهادة الزور : قال تعالى : { فاجتنبوا الرجس من القول واجتنبوا قول الزور } [ الحج 30 ] وقال  : ( لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ) [ ابن ماجه والحاكم ]

14 – شرب الخمر : قال تعالى : { يا أيها الذين آ منوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } . وقال  : ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ) [ رواه أبو داود والحاكم]

15 – القمار : قال تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }

16 – قذف المحصنات :{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } . وقال  : ( من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )[ متفق عليه].

17 – السرقة : قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم } وقال  : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) متفق عليه.

18 – قطع الطريق : قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم }.

19 – اليمين الغموس : قال  : ( من حلف على يمين صبر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر؛ لقي الله وهو عليه غضبان ) [ رواه البخاري].

20 – الظلم : وهو أنواع كثيرة ،وأغلبه في التعدي على حقوق الغير ،قال تعالى { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } وقال  : ( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ..) [رواه مسلم].

21 – قتل النفس : قال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً . ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا } وقال  : ( لعن المؤمن كقتله ، ومن قذف مؤمنًا بكفر فهو كقاتله ، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة ) [متفق عليه].

22 – الكذب في غالب الأقوال : قال تعالى : { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } وقال  : ( … وإن الكذب يهدي إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا )[ متفق عليه].

23 – الحكم بغير ما أنزل الله : قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }.

24 – تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء : قال  : ( لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء ) [رواه البخاري ].

25 – الديوث : قال  : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء ) [النسائي والحاكم وأحمد].والديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله.

26 – عدم التنزه من البول : وهو من فعل النصارى قال تعالى : { وثيابك فطهر } وقد مر النبي  بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )[ متفق عليه].

27 – الخيانة : قال تعالى : { وإن الله لا يهدي كيد الخائنين } . وقال  : ( أد الأمانة لمن ائتمنك ،ولا تخن من خانك ).

28 – التعلم للدنيا وكتمان العلم : قال تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }. وقال  : ( من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها [أبو داود].

29 – المنان : قال تعالى : {ياأيهاالذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } وقال  : ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً : عاق ، ومنان ، ومكذب بالقدر ) [الطبراني وابن عاصم].

30 – المتسمع على الناس ما يسرونه : قال تعالى : { ولا تجسسوا } وقال النبي  : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ، ومن صور صورة عذب ،وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )[ رواه البخاري].

31 – النميمة : قال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم } وقال النبي  لما مر بقبرين : ( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ….وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.. )[ البخاري].

32 – اللعن : قال  : ( لعن المؤمن كقتله )[ متفق عليه].

33 – تصديق الكاهن والمنجم : قال  : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول ؛ فقد كفر بما أنزل على محمد ) [ أحمد والحاكم ].

34 – نشوز المرأة على زوجها : قال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا } وقال  : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ؛ فبات غضبان عليها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ) [البخاري].

35 – أذى الجار : قال  : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) [ رواه مسلم].

36 – غش الإمام للرعية : قال تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } وقال  : ( أيما راع غش رعيته فهو في النار ) [أحمد].

37 – الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة : قال  : (إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) [رواه مسلم].

38 – لبس الحرير والذهب للرجال : قال  : ( إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ) [رواه مسلم].

39 – الجدل والمراء : قال  : ( .. . ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع .. ) [ رواه أبو داود].

40 – نقص الكيل والميزان :قال تعالى : { ويل للمطففين }.

41 – الأمن من مكر الله : قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }. وكان النبي  يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ) فقيل له : يا رسول الله ! أتخاف علينا ؟ فقال رسول الله  : ( إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبهما كيف يشاء ) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].

42 – تكفير المسلم : قال  : ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) [البخاري].

43 – ترك صلاة الجمعة والصلاة مع الجماعة : قال  : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) [ رواه مسلم].

44 – المكر والخديعة : قال الله تعالى : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } وقال  : ( المكر والخديعة في النار ) [ البيهقي في شعب الإيمان ].

45 – سب أحد من الصحابة : قال  : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) [ رواه البخاري].

46 – تغيير منار الأرض : قال  : ( .. ولعن الله من غير منار الأرض ) ] [رواه مسلم ]،قال المناوي في فيض القدير:والمنارةهي العلامة التي تجعل بين حدين للجارين وتغييرها أن يدخلها في أرضه فيكون في معنى الغاصب.

48 – الواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة :قال  : ( لعن الله الواشمات، والمستوشمات ، والنامصات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله )[ متفق عليه].

49 – الإلحاد في الحرم : قال الله تعالى : { .. والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }. وسأل رجل النبي  : ما الكبائر ؟ قال  : ( هن تسع : الشرك بالله .. ) وذكر منها ( واستحلال البيت الحرام قبلتكم ) [ رواه أبو داود والنسائي ].

50 – إفطار رمضان بغير عذر ،وترك الحج مع الاستطاعة : قال  : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ) متفق عليه.

ما هي السبع الموبقات:

أما السبع الموبقات ،فهي كماجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله  ،قال :
(اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)متفق عليه.

أما عن التوبة من الكبائر فإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، إلاّ أن يشرك به ، ويموت المشرك على ذلك دون توبة، ومن مات على كبيرة لم يتب منها ، فجمهور أهل السنة على أنه لن يخلد في النار . 

هل التوبة تجب ما قبلها من الذنوب:

يقول الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله : المفهوم من تعاليم الإسلام أن الله يغفر للتائب المقبول عند ربه كلَّ ذنبٍ أتاه من قبل، وإذا كان الإسلام يَقبلهُ الله من الكافر، فمعنى هذا أن كُفره قد زال عنه بالإسلام، فيكون كفره مغفورًا له بالإسلام؛ لأن الإسلام يقطع ما قبله، كما جاء في الحديث الشريف؛ لأن الله تعالى يقول في سورة الأنفال: ( قُلْ للذينَ كفرُوا إنْ يَنتهُوا يُغفر لهمْ ما قد سلَفَ ).( الأنفال: 38). أي إن ينتهوا عن الكفر، ويدخلوا في الإسلام صادقين، يغفر الله لهم ما مضى قبل إسلامهم.

ولكن تبقى بعد ذلك الذنوب الكبيرة والصغيرة التي يعملها الإنسان ولا يتوب منها حتى يموت. ولا شك أن رحمة الله تعالى واسعة، وأن فضله عميم، وهو يغفر لمن يشاء كل ذنب من ذنوبه، ما عدا الإشراك به؛ لأنه يقول عز مِن قائلٍ: ( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ بهِ و يَغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ ). ( النساء: 48 ).

وقد روي أن النبي تلا قوله تعالى:( إنَّ اللهَ يغفرُ الذُّنوبَ جميعًا ). (الزمر53 ). فقال له رجل: ( يا رسول الله و الشرك) ؟ فنزل قوله تعالى: ( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ بهِ، و يَغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ). ( النساء: 116 ). قال الإمام القرطبي في تفسيره: ” هذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة “.

وقال الإمام القرطبي أيضًا عن الآية السابقة: ” قد أبانتْ هذه الآية أن كل صاحب كبيرة (أي ذنب كبير) في مشيئة الله تعالى: ” إنْ شاء عفَا عن ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركًا بالله تعالى. والله تعالى يغفر الصغائر (أي الذنوب الصغيرة) باجتناب الكبائر، وإقامة الفرائض؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول في الحديث الصحيح:

( الصلواتُ الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) وقال بعض العلماء إن الله تعالى قد بيَّن ذلك بقوله: ( إنَّ تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه بكفر عنكم سيئاتكم) ( النساء 31 ) فهو يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، ولا يغفر لمن أتى الكبائر.

وقال العلماء إن الكبائر عند أهل السنة يغفرها الله لمن أقلع عنها، أي تركها وتاب منها قبل الموت، وقد يغفرها الله لمن مات عليها من المسلمين؛ لأن الله بعد أن ذكر أنه لا يغفر الإشراك به قال: (ويغفرُ ما دُونَ ذلكَ لمَنْ يشاءُ ) . والمراد بذلك لمن مات على الذنوب، إذ لو كان المراد لمن تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنى. إذ إن التائب من الإشراك بالله مغفور له بإسلامه وإيمانه.

وذكر المفسرون أنه لا تخليد في النار إلا للكافر، وأن العاصي من المسلمين إذا مات غير تائبٍ فإن الله تعالى يعذبه في النار حينًا، ثم يخرج منها برحمة الله.

وروى الضحاك أن شيخًا من الأعراب جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال: يا رسول الله، إني شيخٌ مُنْهَمِكٌ في الذنوب والخطايا، إلا أني لم أشرك بالله شيئًا منذ عرفته وآمنت به، فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى قوله: (إنَّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمَن يشاءُ).

ونلاحظ بعد ذلك أن بعض الكبائر أكبر من بعض، بالنسبة إلى ما يكثر ضرره، كما ذكر القرطبي في تفسيره، فالشرك أكبر ذلك كله، وهو الذي لا يغفره الله بالنص القرآني الذي يقول الله تعالى فيه: (ورحمتي وسعتْ كلَّ شيءٍ) 0(الأعراف: 156). وبعده القنوط: (ومَنْ يقنَطُ مِن رحمةِ ربهِ إلاَّ الضالُّونَ). (الحجر: 56). وبعده الأمن من مكر الله مع الاسترسال في المعاصي (فلا يأمنُ مكرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرونَ). (الأعراف: 99).

وبعده القتل؛ لأن فيه إذهاب النفوس وإعدام الموجود، والزنى؛ لأن فيه اختلاط الأنساب، والخمر؛ لأن فيها ذهاب العقل، وشهادة الزور؛ إلى غير ذلك مما هو واضح الضرر، ومن الكبائر أيضًا القمار، والسرقة، وسبِّ السلف الصالح، واليمين الكاذبة والسعي بالفساد في الأرض، فكل ذنب شدَّد الشرع في الوعيد عليه بالعقاب، أو أظهر بليغ ضرره، فهو كبيرة.