الأصل الذي يرجع إليه الفقهاء في هذه المسألة ، حديث جريج، الذي أخرجه البخاري ومسلم ، ولفظ مسلم : « كان جريج يتعبَّد في صومعة، فجاءَت أُمُّه – قال حميد بن هلال : فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسولِ الله -ﷺ- أمَّه حين دَعَته ، كيف جعلتْ كَفَها فوق حاجبها ، ثم رفعت رأسها إِليه تدعوه – فقالت: يا جريج ، أنا أُمُّك كلِّمني ، فصادَفتهُ يُصلِّي، فقال: اللهم أُمِّي وصلاتي، فاختار صلاته ، [فرَجَعَتْ ، ثم عادت في الثانية ، فقالت: يا جريج ، أنا أُمُّك ، فكلِّمني، قال : اللهم أُمي وصلاتي، فاختار صلاته] ، فقالت: اللهم إن هذا جريج ، وهو ابني وإِني كلّمتُهُ ، فأبى أَنْ يكلِّمني ، فلا تُمِتهُ حتى تُرِيَهُ المومساتِ.”
وبناء على دلالات هذا الحديث حدد كل فريق من الفقهاء مذهبهم في المسألة، فذهب الإمام الجويني من فقهاء الشافعية إلى ظاهر الحديث وأوجب على المصلي أن يقطع الصلاة لنداء الوالدين فريضة كانت الصلاة أو نافلة ، ضاق وقت الصلاة أو اتسع، بينما رفض جمهور الفقهاء هذا المعنى الظاهر، واختلفوا في قطع صلاة النافلة لا الفريضة، على الوجه التالي:
جاء في الموسوعة الفقهية :
قال الحنفية كما في الدر ورد المحتار :لو دعاه أحد أبويه في الفرض لا يجيبه إلا أن يستغيث به – واستغاثة غير الأبوين كذلك – وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه ، فيجب إغاثته وقطع الصلاة ، وفي النفل إن علم الذي ناداه من أب أو أم أنه في الصلاة فدعاه لا يجيبه ، لأن نداءه له مع علمه أنه في صلاة معصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن لم يعلم أنه في صلاة فإنه يجيبه ، لما في قصة جريج العابد. وقد تقدمت.
وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد ابن رشد أن ذلك يختص بالأم دون الأب وقال به من السلف مكحول .
وقال النووي في شأن حديث قصة جريج :قال العلماء : في هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها ، لأنه كان في صلاة نفل ، والاستمرار فيها تطوع لا واجب ، وإجابة الأم وبرها واجب ، وعقوقها حرام .
وقال ابن حجر :جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الأم نفلا كانت أو فرضا وجه في مذهب الشافعي ، حكاه الروياني ، والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا .
وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة ، وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين ، وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع.انتهى.
وجاء في الشرح الممتع للشيخ العلامة ابن العثيمين- رحمه الله- :
هل من الغرض الصحيح إذا دخل في صلاة النافلة، فنادته أمه أن يرد عليها، فيقطع الصلاة؟
الجواب: فيه تفصيل: إذا كانت الأم إذا علمت أنه في صلاة فلا ترضى أن يقطعها، بل تحب أن يمضي في صلاته، فهنا لا يقطعها؛ لأنه لو قطع الصلاة، وقال لأمه: أنا قطعت الصلاة من أجلك، قالت: لِمَ قطعتها؟
أما إذا كانت ممن لا يعذر في مثل هذه الحال؛ لأن بعض النساء، لا يعذرن في مثل هذه الحال، ففي هذه الحال نقول: اقطعها.[1]
[1]- الشرح المتتع (6/487)