الأصل أن العبادات توقيفية لا يصح أن تتم إلاّ بالطريقة التي حددها الشرع، فلا تتم الصلاة بغير العربية، ولكن إذا كان أحد الداخلين الجدد في الإسلام لا يعرف العربية، ويريد الصلاة فقد أجاز بعض العلماء أن يقرأ بترجمة الفاتحة، ويدعو بغير العربية، ويتعين عليه أن يتعلم اللغة العربية في أقرب وقت ممكن حتى يؤدي شعائر الإسلام بها. وهذا على سبيل الاستثناء للمسلم الجديد الذي لا يعرف العربية.
حكم قراءة القرآن في الصلاة بغير العربية:
–يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر :
إن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بأن يقرءوا القرآن الكريم مرتلا، حيث قال تعالى «ورتل القرآن ترتيلا» أي أن يقرأ القرآن بصوت كله خشوع وتدبر مع الالتزام التام بالقراءة الصحيحة من حيث مخارج الحروف ومن حيث الوقف والمد والإظهار وغير ذلك، وبالتالي لا يجوز قراءة القرآن بطريقة تغير من ألفاظ القرآن الكريم ولا بلغة غير لغة القرآن.أ.هـ
–ويقول الدكتور عبد العظيم المطعني أستاذ الدراسات العليا في جامعة الأزهر :
لا يستطيع أحد قراءة القرآن نصا بلغة أخرى لأن ذلك محال عقلا فهو لسان عربي مبين. والجائز فقط هو ترجمة معاني القرآن وتفسيره وليس نصه لأن جميع لغات العالم تعجز أمام بلاغة القرآن واللغة العربية ومدلولاتها وتراكيبها في أن تأتي بآية واحدة من القرآن.أ.هـ
–وقال الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله تعالى:
أوجب بعض الفقهاء أن تكون كلمات الصلاة باللغة العربية.
ولكن إذا كان المسلم غير عربي، وهو جاهل بالعربية عاجز عن النطق بها؛ لأنه جديد على الإسلام، فقد أجازت بعض المذاهب أن يقرأ الفاتحة بغير العربية، فيقول ترجمتها باللغة التي يعرفها، والقرآن يقول في سورة الروم: (ومِن آياتِهِ خَلْقُ السمواتِ والأرْضِ واخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وأَلْوَانِكُمْ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالَمِينَ). (الآية: 22).
وقال العلماء إنه يجب على المسلم غير العربي الذي يجهل النطق بها أن يتعلَّم من الإنسان المسلم العربيةَ حتى يستطيع أن يصلي ويقرأ الفاتحة ويفهم ما يتلو من القرآن. وقد ذكر الإمام الشافعي أن ذلك فرْضٌ على كل مسلم.أ.هـ
–ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر سابقا – رحمه الله تعالى -:
من المعلوم أن قراءة شيء في الصلاة ركن من أركانها لا تصح بدونه.
وقد حدد جمهور الفقهاء هذا الركن بقراءة الفاتحة لعدة نصوص منها قوله: (ﷺ ) فيما رواه الجماعة “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وإلى جوار هذا الركن تسن القراءة لما تيسر من القرآن بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين.
وقال العلماء لا بد أن تكون القراءة باللغة العربية لمن قدر عليها، حتى وإن عجز عن القراءة باللغة العربية، لا يجوز أن يقرأها مترجمة بلغة أخرى، ولو فعل ذلك بطلت صلاته عند جمهور الفقهاء.
قال النووي في كتابه (المجموع): ترجمة القرآن ليست قرآنًا بإجماع المسلمين، ومحاولة التدليل لها تكلف، فليس أحد يخالف في أن المتكلم بمعنى القرآن بالهندية ليس قرآنًا، وليس ما لفظ به قرآنًا، ومن خالف في هذا كان مراغمًا جاحدًا، وتفسير شعر امرئ القيس ليس بشعره. فكيف تفسير القرآن يكون قرآنًا.
القرآن معجز والترجمة غير معجزة:
ولا خلاف في أن القرآن معجز، وليس في الترجمة معجزة.
ونقل عن أبى حنيفة جواز القراءة بالترجمة في الصلاة لمن كان قادرًا على القراءة باللغة العربية، أو غير قادر، مستدلاً ببعض الآيات ليست نصًا في المدَّعَى وقال المحققون: إن أبا حنيفة رجع عن رأيه، فلم يجز القراءة بغير العربية إلا لمن عجز عنها.
وعلى هذا فلا يكون عند الأحناف إلا قول واحد وهو جواز قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة للعاجز عن العربية، أما القادر عليها فلا يجوز له باتفاق الفقهاء.
فالأئمة الثلاثة قالوا بفساد الصلاة، وأبو حنيفة وأصحابه قالوا: بجواز الصلاة؛ لأن العاجز عن العربية حكمه حكم الأمي، فلا قراءة عليه وإذا أتى بذكر بأية لغة؛ لا تفسد صلاته، فكذلك من كان في حكمه.أ.هـ
لماذا نصلي باللغة العربية فقط :
وقال الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا _ رحمه الله.ـ
هناك أسباب وجيهة توجِب الاقتصار على اللغة العربية، وذلك للاعتبارات التالية:
1 – فهناك أولاً مبرِّر اعتقادي (ميتافيزيكي) أو نفسي؛ ذلك أنه بمقتضَى نصِّ القرآن، قوله تعالى (النبيُّ أولَى بالمؤمنين من أنفسِهم وأزواجُه أمَّهاتُهم) (الأحزاب: 6) (33-6) تُعتبر زوجاتُ الرسول أمهاتٍ للمسلمين، ونحن نعلم أن جميع زوجاتِه المكرّمات يتكلْمن العربيّة، فبذلك تُعتبر اللغة العربية هي لغة الأم لجميع المسلمين، وحينئذٍ لا يبقَى مجال لأيّة ملاحظة قائمة على أساس ضرورة أداء الصّلوات بلغة الأمِّ .
2 – وإذا اعتُبر هذا المبرِّر غيرَ كاف للإقناع، فإنّنا ننطلِق بالنّظر إلى ما هو أبعد، فنلاحِظ أنه بمقتضَى العقيدة الإسلامية يُعتبر القرآنُ كلام الله سبحانه، وأن تلاوته مُعتبرة بمقتضَى نصوصه نفسها من القربات المطلوبة. فمن الناحية الرُّوحيّة يَسيح المؤمِن سِياحة إلى الله تعالى بوساطة تلاوة كلامِه المقدّس.
والنصّ الأصلي لهذا الكلام الموحَى به إلى رسول الإسلام هو عربي، فمهما تكن الترجمة له من الدِّقّة بمكان، فإنها لا تخرج عن كونها من صنعة الإنسان وكلامه، وهذا لا يُمكن أبدًا أن يؤدِّيَ الغاية من تلك السّياحة الرُّوحيّة التي تتحقّق بالصّلاة.
3 – وبالنسبة لمن يفتِّشون عن سبب أو مبرّر أقوى نقول: إنه يجِب التمييز الدقيق بين الصلاة بمعنى الدعاء، والصلاة بمعناها الخاصّ في صورة عبادة الله. فأما الدعاء ـ وهو المعنى الأصلي العام للصلاة، غير الصورة الخاصة بعبادة الله، وهو ما يسمّى (مناجاة الله) ـ فإنه لا اعتراض أبدًا على حرية الإنسان في أن يوجه حاجاته وتوسُّلاته إلى ربِّه بأية لغة يختارها، وأي وضع يكون عليه؛ ذلك لأن هذه صلة شخصية خاصة بعلاقة فرديّة بين المخلوق والخالق.
أما الصلاة بمعناها الخاص ـ أي: العبادة المفروضة في صورتها الإسلامية المشروعة ـ فهي عمل عامٌّ ذو صفة جماعيّة، يجب النظر فيه إلى بقية الرِّفاق المُصاحِبين في صلاة الجماعة، فصلاة المسلِم هذه يجب مبدئيًا أن تؤدَّى بصورة مشترَكة مع الآخرين (جماعة)؛ ذلك لأن أداء الصلاة فرديًّا صحيح، ولكن المطلوب المفضَّل أداؤها بقيادة إمام (جماعة).
4 – لو كان الإسلام دينًا إقليميًّا أو قوميًّا أو مرتَبِطًا بعِرق بشري، لكان من المحتَّم فيه أن تستعمل في الصلاة لغة ذلك الإقليم أو العِرق أو القوم، أما في ديانة عالمية، فالأمر بالعكس تمامًا، حيث يتكلَّم المؤمنون بها مئات اللغات المحليّة، ولا يفهم أحدهم لغةً سواه من الأجناس البشريّة الأخرى.
إن حياتَنا تزداد كل يوم اتِّساعًا نحو الصِّفة العالميّة، وإن كل بلد في الأرض يَستقبل فعلًا، ويُؤوي الكثيرَ من المسلمين من مختلِف المجموعات اللغويّة.
5 – في الواقع لا يوجَد دين واحد على وجه الأرض سوى الإسلام يملِك اليوم النصَّ الأصليَّ للوحي الذي يقوم على أساسه، والنصوص الأصلية لتعليمات مؤسِّسه، فالمسيحيُّون واليهود والمزدكيون، وسواهم من الجَماعات الدينيّة، لا يوجَد لدى فئة منهم سوى ترجمة للنص الأصلي في ديانتهم، أو سوى قطع مُتفرِّقة منه على الأكثر، فأي سعادة أو ثقة تُعادل ما للمسلمين؛ الذين هم الاستثناء الوحيد من هذا الواقع؛ إذ يملِكون النصَّ الأصلي لوحي الإسلام، وهو القرآن الكريم؟!
6 – علاوة على ما تقدَّم يُلحظ أن القرآن ـ وإن كان نثرًا ـ هو مشتمِل على جميع خصائص الشِّعر وعذوبته من الجَرْس اللّفظي، وتوافُق الفواصل، وجَزالة التعبير، وبلاغة الأداء.. بحيث إنَّ حذف حرف واحد من جملة، أو إضافة حرف إليها، يُورِّث فيه خَلَلًا واضطرابًا، كما لو حَصل ذلك الحذف أو الإضافة في بيت من الشعر المَوزون.
7 – يرى كاتب هذه السُّطور شخصيًّا: أن أي مسلِم لا يمكن أن يُعطِي أي ترجمة للقرآن من الاحترام الديني ما يُعطيه لنصِّ القرآن الأصلي الموحَى به من الله سبحانه إلى رسوله؛ ذلك لأن الترجمة هي صياغة شخص عادي، وليست صياغة جِهة معصومة محميّة من الخَطأ، كما هو الشّأن في نَبِيٍ.
8 – وختامًا نشير إلى أنه يوجِد فريق من الكُتّاب يحتجُّون بأن بعض المُجتهدين الكِبار، كالإمام أبي حنيفة، كان يرى جواز تلاوة تَرجمة القُرآن في أداء الصّلاة، ولكن هؤلاء الكُتّاب ذكروا جانِبًا وأغفلوا جانِبًا آخَر، فإن الإمام أبا حنيفة، وإن كان قد رأى هذا الرأي في بداية أمره، قد رجع عنه بعد ذلك، ووافَق الأئمة الآخرين (وهذا هو المذكور في كتب المذهب الحنفي، ككتاب الهداية للمرغيناني، وكتاب الدر المختار للحصكفي، وحاشية رد المحتار وغيرها..) والإمام أبو حنيفة أيضًا يقول بأنّه في الحالات العادية الطّبيعيّة لا يجوز في الصّلاة تلاوة القرآن بغير العربيّة.
وفى الواقع يوجَد حكم استثنائي للضرورة كما في حال الشخص الذي يسلِم من جديد ولا يعرِف العربيّة، فهذا يجب عليه أن يبدأ فورًا بأداء الصلوات الخَمس يومِيًّا، وهي تشتمل على تلاوة إلزاميّة لقسم من القرآن حِفظًا عن ظهر قلب، فيُرَخَّص له بتلاوة معاني بعض الآيات باللغة التي يعرفها إلى أن يتعلّم ما يكفي للصلاة بالنص العربي.
وفي هذه المسألة يوجَد سابقة مُهِمّة من الصّحابي الجليل سلمان الفارسي الذي ترجَّم سورة الفاتحة إلى الفارسية، لكي ترسلَ إلى أناس من المؤمِنين الفُرس، وذلك بترخيص من الرسول نفسه (كما في كتاب تاج الشريعة، والنهاية حاشية الهداية: فصل الصلاة)، وهؤلاء الأعاجم استعملوا هذه التّرجمة إلى أن ائتلفت ألسنتُهم، ومَرِنَتْ على النصِّ العربي. وهكذا يمكن للمسلمين الجُدُد أن يستعملوا ترجمةَ القرآن بصورة مقبولة كأصله العربي مدّة أيّام أو لمدة أسابيعَ بحسب الحاجة والحال.
يُسْتَخْلَص من كلِّ ما تقدّم أن كلَّ مسلم بمقتضَى الوحي القرآني يَختار دائمًا اللغة العربيةَ، اللغةَ الأمَّ للرسول، وهكذا يظلُّ الإسلام المَصدرَ الحيّ الخالِدَ للغة العربيّة.