جريمة الزنا:
وأعظم من الزنا أن يعمد أحد الأقارب إلى قريبته الزانية فيقتلها ليتخلص من عارها؛ فإنها إن كانت غير محصنة فلا يجوز لأحد قتلها لا إمام ولا غيره.
وإذا كانت محصنة فحدها القتل رجما بيد الإمام أو نائبه، أما قريبها ووليها فليس له ذلك. غير أن له أن يمنعها ويحجزها عن الزنا ومصاحبة الزناة ولو بالحبس والقيد حتى لو كانت أختا أوأمًّا إذا لم ترتدع إلا بذلك.
ثم إن الذين يعمدون إلى المرأة الزانية فيقتلونها إنما لا يقصدون إقامة حد الله، ولا يغضبون لانتهاك حرمات الله والدليل على ذلك أنهم لا يغضبون إذا ما عرفوا أن رجلا من عائلتهم هو الذي زنا، مع أن الله لم يفرق في العقوبة بين الزاني والزانية.
حرمة قتل النفس التي حرم الله:
قال الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً } النساء / 92 .
عن أنس رضي الله عنه قال : سئل النبي ﷺ عن الكبائر ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، وشهادة الزور . رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً ” رواه البخاري .
ولا يجوز قذف المحصنات بالزنا ، ولا يثبت الزنا إلا بشهادة أربعة رجال يرون واقعة الزنا رأي العين ، ويرون الفرْج في الفرْج ، أو باعتراف الزاني أو الزانية بغير إكراه .
وما عدا ذلك فمن قذف امرأة مسلمة بالزنا فإنه يجلد ثمانين جلدة .
قال تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون } النور / 4 .
وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا : قال رسول الله ﷺ : ” … اغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، قال : فغدا عليها فاعترفت فأمرَ بها رسول الله ﷺ فرُجمت ” . رواه البخاري ومسلم .
وقد جعل الله تعالى عقوبة محدودة للزاني والزانية ، فجعل حدَّ الرجم للمحصن منهما ، وجلد مائة لمن لم يحصن .
قال تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } النور / 2 .
وعن جابر أن رجلا من ” أسلَم ” أتى النبيَّ ﷺ وهو في المسجد فقال إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، فتنحى لشقه الذي أعرض ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فدعاه فقال : ” هل بك جنون ؟ ” قال : لا ، قال : ” هل أحصنت ؟ ” قال : نعم فأَمر به أن يرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز- أي هرب- حتى أدرك بالحرة فقتل . رواه البخاري ومسلم.
من الذي يقيم الحد على الزناة:
وعامة الناس لا يعلمون ذلك ، ولأن إقامة العامة للحدود يترتب عليها مفاسد عظيمة وإخلال بالأمن ، فيعتدي الناس بعضهم على بعض قتلاً وتقطيعاً بحجة إقامة الحدود .
قال القرطبي :
لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود . “
وقال ابن رشد القرطبي :
وأما من يقيم هذا الحد – أي : جلد شارب الخمر – فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود . ” بداية المجتهد ” ( 2 / 233 ) .
وقال الشوكاني :
عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمَته . ” نيل الأوطار ” .
وعلى أهل المرأة أن يمنعوها من الفاحشة وأسبابها فيمنعوها من الخروج ومحادثة الرجال الأجانب ، ومن كل ما يُمكنها من فعل المنكر فإذا لم تمتنع إلا بحبسها أو تقييدها فلهم ذلك فيحبسونها في البيت .
أما القتل فلا .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة مزوَّجة ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها سعَت فى مفارقة الزوج ، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟ فأجاب بقوله: الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فإن لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد قيَّدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه ، وأمَّا برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك. ” . .
وقد حصل أن زنت بعض النسوة في عهد النبي ﷺ ، فلم يقتل أحدٌ من أهلهن امرأة منهن ، ومنهن ” الغامدية ” رضي الله عنها .
عن بريدة بن الحصيب قال : … جاءت امرأة من غامد من الأزد فقالت : يا رسول الله طهرني ، فقال : ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه ، فقالت : أراكَ تريد أن تردَّني كما رددتَ ماعز بن مالك ، قال : وما ذاك ؟ قالت : إنها حبلى من الزنى فقال : أنت ؟ قالت : نعم فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، قال : فأتى النبيَّ ﷺ فقال : قد وضعت الغامدية فقال : إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله قال : فرجمها . رواه مسلم.
هل يحق لأهل الفتاة أو المرأة قتلها إذا زنت:
1- أنهم لا يفعلون الأمر نفسه فيما لو زنى أحد أبنائهم أو إخوانهم ، وهذا يشبه فعل أهل الجاهلية حيث أباحوا لأنفسهم الزنا دون نسائهم ، وهؤلاء يُلوَّث شرفهم وتظهر حميتهم إذا فعلت نساؤهم المنكر دون أن يكون عندهم حمية لدينهم فيما لو فعل أحد أبنائهم أو إخوانهم الأمر نفسه ، بل قد يفتخر بعض الآباء بمنكر ولده ، ويشجعه عليه .
2- أنهم فتحوا المجال أمام النساء للوقوع في الفاحشة فسمحوا للمرأة بالدراسة المختلطة والصحبة السيئة والمشاهدة المحرمة والمجالسة المنكرة ، فأدى هذا إلى تلف قلبها وتعلقه بالفاحشة ، وبعضهم لا يزوِّج ابنته أو أخته ويشترط شروطاً تعجيزية ، ثم يريد هؤلاء معاقبتها وهم أولى منها بالعقوبة .
3- أنهم يقتلون لا على فاحشة الزنا بل حتى على مجرد المحادثة أو التعارف المحرم والذي ليس له حد في الشرع بالقتل .
4- أنهم يفتحون الباب لكل من أراد قتل أخته أو ابنته بهذه الحجة الفارغة ، وقد يكون سبب القتل : مالها ، أو أنها عرفت عنهم أشياء يرغبون إخفائها أو ما شابه ذلك من الأسباب .
والواجب على أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت ولايتهم ويمنعوهن من الفاحشة وأسبابها من غير تساهل أو تشدد يأباه الشرع .