الخسارة الطبيعية في شركة المضاربة يتحملها صاحب المال من أمواله دون المضارب إلا أن هذا لا يعني أن العامل لم يخسر شيئا، فإن العامل في حالة الخسارة يخسر جهده ووقته وإدارته، فهذا كله يضيع عليه دون أي مقابل في حالة الخسارة، وقد يكون الجهد والوقت عظيما.

بينما لا يخسر صاحب المال إلا ماله فقط، وهو مال محدود في النهاية، وقد يكون ماله أقل من الجهد المقابل الذي ضاع على العامل ، وقد يتفقان على أن يأخذ العامل 60% من الربح مثلا، وما كان رب المال ليرضى بذلك إلا لعلمه أن الجهد من العامل يساوي أكثر من ماله.

المضاربة وضوابطها الشرعية

يقول الدكتور رفيق يونس المصري- من علماء سوريا-الباحث بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي.

-يرى بعض الناس أن المضاربة شركة عادلة في حالة الربح فقط، وغير عادلة في حالة عدم الربح، وفي حالة الخسارة أيضًا.
-مثال: رأس المـــال: 1,000,000 ريال.
الربـــــح: 100,000 ريال.
توزيــع الربح : 50%
طبعًا هذه النسبة تفيد ضمنًا أن العمل يقوّم بقيمة حالية معادلة لقيمة رأس المال، وأن قوتهما في إدرار الربح قوة متساوية. وهذا لا يعني أن العمل قد أصبح في حكم المال من جميع الوجوه، فالعمل له أحكام، والمال له أحكام أخرى. فإذا أخذ كل من الطرفين هنا 50,000 ريال فلا مشكلة عند هؤلاء؛ إذ يرون أن المضاربة عادلة في هذه الحالة، حالة الربح.

-ولكن المشكلة عندهم في حالة عدم الربح، وفي حالة الخسارة، حيث يرون أن المضاربة فيهما غير عادلة، إذا لم يشترك العامل في الخسارة. والذي يبدو أن هؤلاء ينظرون إلى خسارة المال، ولا ينظرون إلى خسارة العمل، كما أنهم لا ينظرون إلى مقدار الخسارة في كل منهما.

-ففي حالة عدم الربح، يرجع إلى رب المال ماله، ولا يرجع إلى العامل شيء. تأويل هذا أن العامل خسر عمله، ورب المال خسر ربحه. وهذا يعني بعبارة أخرى أن رب المال لم يخسر من ماله شيئًا، ولكن العامل خسر كل عمله.
-وفي حالة الخسارة، ولتكن: 100,000 ريال مثلاً. عندئذ يرجع إلى رب المال: 1,000,000 – 100,000= 900,000 ريال. ولا يرجع إلى العامل شيء. وتفسير هذا أن العامل خسر كل عمله، ولكن رب المال لم يخسر من ماله إلا جزءًا منه.

-ويلاحظ أن خسارة رب المال محدودة بحصته المالية. فإذا تجاوزت الخسارة هذه الحصة كان العامل مسؤولاً عنها في ماله الخاص، وهذا يحصل فيما لو استدان العامل للمضاربة بغير إذن رب المال.

إن الخسارة المالية تقع على رب المال، وقد تكون جزئية، أي أقل من رأس ماله، وقد تكون كلية بحيث تبتلع رأس ماله جميعًا. في مقابل ذلك نجد أن العامل إذا لم تربح المضاربة فإنه يخسر عمله كله، وتقف خسارته عند هذه الحدود، فلا تزداد بوقوع الخسارة، ولا بزيادتها، أي إن خسارته ثابتة بين نقطة عدم الربح ونقطة الخسارة، أيًا كانت قيمة هذه الخسارة.

ذلك لأن مبنى المضاربة قائم على توقع الربح، فإذا لم يحصل الربح، أو حصلت خسارة، قليلة كانت أو كثيرة، فإن خسارة العامل لا تتغير ضمن هذا المدى، بخلاف رب المال. فإذا غطت الخسارة رأس المال كله، فعند هذه النقطة يخسر رب المال كل ماله، ويخسر العامل كل عمله.
-وقد قالوا : إذا كانت نسبة توزيع الربح 99% للمضارب و 1% لرب المال، فهل من المعقول أن تكون خسارة رأس المال كلها على من يربح 1%، ولا شيء من هذه الخسارة على من يربح 99% ؟

وهم لم ينتبهوا إلى دلالة نسبة توزيع الربح. فهذه النسبة تدل على أن عمل المضارب مقوّم بأكثر من مال رب المال بـ 99 مرة. فلو فرضنا أن العمل مقوّم بـ 99 ريالاً، والمال مقوم بـ 1 ريال. ففي حال الخسارة، يخسر العامل عمله، ولا يخسر رب المال أكثر من ريال واحد فقط. فأين الظلم في هذا ؟ ربما يقال هنا: إن العامل هو المظلوم، على عكس ما يقول هؤلاء..

-غير أن التأمل يفضي بنا إلى أن المضاربة عادلة بين الطرفين، لأن الغرم بالغنم، بالنسبة لكل منهما. والغرم هو الخسارة، والغنم هو الربح. والربح بالنسبة لرب المال نماء ماله، والخسارة عكسه ( نماء سالب ). وهذا هو معنى: ” الخراج بالضمان ” أو ” الغلة بالضمان “.

فخراج رب المال، وهو حصته من الربح، هو في مقابل تحمله الخسارة إذا وقعت.

وخراج العامل، وهو حصته من الربح، هو في مقابل تحمله الخسارة إذا وقعت. وخسارته هي خسارة في حصته، وهي العمل، وليست خسارة في حصة مالية، لأنه لم يقدم أصلاً أي حصة مالية في الشركة.

والخلاصة أن المضاربة شركة عادلة في حال الربح، وفي حال الخسارة. لكن يجب الانتباه إلى تقويم حصة العمل من أجل الاتفاق على نسبة توزيع الربح. كما يجب الانتباه أن نسبة توزيع الربح إنما تدل أيضًا على قيمة حصة العمل.
قال السرخسي: ” المنافع إنما تتقوم بالعقد. فمنفعة كل واحد منهما تتقوم بمقدار ما شرط لنفسه من الربح ” ( المبسوط 11/15)

عل أي أساس تتحدد نسبة الربح في المضاربة

لا تتحدد نسبة توزيع الربح بين الشريكين، في المضاربة، بصورة عشوائية، بل على أساس إعطاء أجر احتمالي للعامل يساوي أجر المثل الثابت ( أجره في السوق )، بالإضافة إلى علاوة مخاطرة يقبل بها، لأن أجره أجر احتمالي معرض للمخاطرة ( الخسارة، أو عدم الربح )، وليس أجرًا ثابتًا. ولا تنعقد المضاربة بين الشريكين، من الناحية الفنية والعملية، إلا إذا توقع العامل أجرًا احتماليًا مقبولاً عنده، وتوقع رب المال عائدًا احتماليًا مقبولاً عنده أيضًا، بحيث يزيد على العائد الثابت بمقدار علاوة المخاطرة أيضًا.

انتهى مع التصرف.