يقول الدكتور عبد الرازق محمد فضل الأستاذ بجامعة الأزهر:
الذي يَشُقُّ ثيابه يأتي فِعْلًا شنيعًا يكفي في بيانِ شَنَاعَتِه قولُ رسول الله ﷺ: “ليس منَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وشَقَّ الجُيوبَ ودَعَا بدعْوَى الجاهلية”. وإنما كان كذلك لأنه لم يُسَلِّم حاله لله ولَمْ يَقُلْ بِمَا أمَرَه به الله (قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
ونحن نسأل: الذي يشُقُّ ثوبه لماذا يفعل ذلك؟ لأنه يواجه مشَقَّةً وضِيقًا في الحياة؟
إنْ كان كذلك فمَاذَا يُجْدِيهِ شَقُّ الثوب! لا يُجْدِيه إلا العمل الجادُّ، المتوكل على الله لا يجديه إلا قوَّة الإيمان التي تَعْنِي حُسْن العَمَلِ والثقة في الله “المؤمن القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احْرِصْ على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجِزْ، وإن أصابك شيء فَلَا تَقُلْ: لو أنِّي فعلتُ كذا كان كذا وكذا. ولكن قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَل. فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان”.
لأنَّهُ يواجه في هذه الحياة ما يُغْضِبُه؟
وماذا يُجْدِيهِ شَقُّ الثَّوْبِ في هذه الحالة! لا يُجْدِيه إلا التأسّي بمُعَلِّم البشرية محمد رسول الله ـ ﷺ ـ الذي قال عندما رأى رجلًا يكاد الغَضَبُ يَقْطَعُ عروقه: “أعْلَمُ كلمة لو قالها ذهب عنه ما يَجِدُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
لأنَّ قريبًا أو عزيزًا له مات؟
ومَنْ الذي لا يشرب كأسَ المَنون من خلق الله! ألم يقل الحَقُّ ـ تبارك وتعالى ـ مخاطبًا حبيبه وصفيَّه محمدًا: (إنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ألم يقل: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا)!
إن المسلم الحق إذا واجه موقف فَقْدِ عزيز عليه دَمَعَتْ عينه وحَزِنَ قلبُه وامتنَعَ لسانه عن قول شيء إلا قولًا يُرْضِي الله، كأن يقول: (إنَّا للهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) للهِ ما أخَذَ ولله ما أعْطَى. فَشَقُّ الثوب لأي سَبَبٍ حُمْقٌ ومُنْكَرٌ وفِعْلٌ من أفعال الجاهلية يسير بفاعله إلى البُعْدِ عن رسول الله ودينه وسنته وشفاعته والعياذ بالله.
لكن باب التوبة مفتوح لمَن فعل هذا الفعل النكير، فعليه أن يَنْدَمَ على هذا الفعل، وأن يَعْزِمَ عَزْمًا أكيدًا على عدم فعله مرة أخرى مَهْمَا كانت الأسباب، عليه الإكثار من الاستغفار وقراءة القرآن والصوم، وعليه أن يقدِّم ما استطاع إلى المحتاجين، وأن ينفق في وجوه البِرِّ ممَّا رزَقَهُ الله كثيرًا أو قليلًا حتى تُذْهِب الحسناتُ السيئاتِ (مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).