الأصل في الزكاة في التجارات والصناعات أن تخرج بالقيمة. لأن الزكاة إنما وجبت في قيمة الأشياء لا في أعيانها.
ثم إن الفقراء والمستحقين قد لا ينتفعون بأعيان الأشياء، أو لا يحتاجون إليها بالمرة أو تكون فوق مستواهم الاجتماعي، أو تكون كلفة عليهم، او غير ذلك.
لو أخذنا مثلاً موضوع العباءات الحريرية إذا أعطيت للفقير، فقد لا يكون عنده امرأة، وقد تكون عنده ولكنها ليست في حاجة إليها، وقد تكون هذه العباءة غالية الثمن فليست مناسبة لها، وما حاجة المرأة الفقيرة إلى عباة بألف ريال، أو بخمسمائة ريال، وهي تستطيع أن تشتري عباءة بمائة ريال فقط، وهي كافية لها.
وماذا يكون الحال عند ما يكون المصنع منتجًا للسيارات، هل تعطي للفقير سيارة؟ وهو لا بقدر أن يشتري لها بنزينًا يسيرها؟
إن إخراج العين في مثل هذه الحال لا يجوز إلا في ظروف معينة، وهي حالات الكساد والذي لا يجد صاحب المصنع ـ ومثله التاجر ـ سيولة نقدية يدفع منها زكاته، وعنده أدوات أو سلع يحتاج إليها الفقير، كما لو كانت مواد غذائية ملائمة له، ويستطيع أن يستفيد منها بالاستهلاك العاجل أو التخزين إذا كان قادرًا عليه.
ولا بد أن يعرض ذلك على الفقير ويرضى به، وإلا لا يجوز إلا القيمة.
فإن الذي انتهى إليه الاجتهاد بالنسبة للمصانع ومثلها المطابع والفنادق والعمارات السكنية المؤجرة ونحوها مما يطلق عليه كلمة (المستغلات) ويعنى بها الأشياء التي تبقى عينها وينتفع بثمراتها وغلتها. الاجتهاد فيها أنها بمثابة الأرض الزراعية التي تجب الزكاة فيما أخرجت ـ أو فيما أخرج الله منها ـ من زرع وثمر.
وكذلك هذه الأشياء أو المستغلات هي أموال أو أصول ثابتة، ولكنها تخرج ثمرة أو تدر ربحًا، هو بمنـزلة الزرع والثمر من الأرض.
فالواجب في صافي الربح هنا هو العشر، قياسًا على الأرض المسقية بغير الآلة، “فيما سقت السماء العشر” وصافي الربح بمثابة الزرع الذي سقته السماء.
ونعني بصافي الربح ما ظهر في نهاية العام بعد حسم النفقات والأجور المختلفة، ومنها نفقات الصيانة، مضافًا إليها مقابل استهلاك الآلات والعقارات، مع عدم المبالغة في هذا التقدير. ثم يحسب الصافي من الأرباح، فيخرج عشره، وإن لم يوزع كله، فقد يوضع بعضه في الاحتياطات ونحو ذلك.
والواجب إخراجه في الحال، ولا ينتظر به الحول، تطبيقًا للقياس على الأرض الزراعية، وقد قال تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}.