لا حرج في الجلوس في المجالس التي تنشد فيها الأشعار، فقرض الشعر أو سماعه جائز إذا لم يكن فيه دعوة إلى الفاحشة والرذيلة، وكان من الصحابة من يجيد الشعر وقد استمع النبي –ﷺ- إلى الشعر وتأثر به وقال “إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً.
أما الضحك والمزاح فهو أمر مشروع إذا كان منضبطا بضوابط الشرع، فلا يجوز أن يكون الكذب أداة لإضحاك الناس، وألا يشتمل على سخرية أو استهزاء، وألا يترتب عليه ترويع للآمنين، وألا يخرج عن حد الاعتدال، وألا يكون الهزل في موضع الجد.
فنون الأدب والمزاح:
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
أولا- الاستماع إلى الشعر: قد استمع النبي ﷺ إلى الشعر وتأثر به , ومنه قصيدة كعب بن زهير الشهيرة « بانت سعاد » وفيها من الغزل ما هو معروف , وقصيدة النابغة الجعدي , ودعا له , ووظف الشعر في خدمة الدعوة والدفاع عنها , كما صنع مع حسان . واستشهد بالشعر كما في قوله : « أصدق كلمة قالها شاعر : كلمة لبيد : ألا كل شئ ما خلا الله باطل »
واستشهد أصحابه بالشعر , وفسروا به معاني القرآن , بل منهم من قاله , وأجاد فيه , كما يروى عن على كرم الله وجهه . وهناك عدد كبير من الصحابة كانوا شعراء .
وكثير من الأئمة الكبار كانوا شعراء , مثل الإمام عبد الله بن المبارك , والإمام محمد بن إدريس الشافعي وغيرهما .
وقال ﷺ « إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً”.
ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو بعيد عن الحكمة بل هو نقيضها , مثل شعر المديح بالباطل , والفخر الكاذب والهجاء المتعدى , والغزل المكشوف , ونحو ذلك مما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمثل العليا .
ولهذا ذم القرآن الشعراء الزائفين والمزيفين , الذين لا يتورعون عن شئ , والذين تكذب أفعالهم أقوالهم . وذلك في قوله تعالى : (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ .أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) الشعراء: 224-227 .
فالشعر – والأدب عامة , والفن بوجه أعم – له هدف ووظيفة , وليس سائبا , فهو شعر ملتزم, وأدب ملتزم , وفن ملتزم .
أما القوالب التي يظهر فيها الشعر أو الأدب فلا مانع من تغيرها وتطورها , واقتباس ما يلائمنا مما عند غيرنا . المهم هو الهدف والمضمون والوظيفة .
حدود مشروعية الضحك والمزاح :
إن الضحك والمرح والمزاح أمر مشروع في الإسلام , كما دلت على ذلك النصوص القولية , والمواقف العملية للرسول الكريم ﷺ وأصحابه رضى الله عنهم .
وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلى شئ من الترويح يخفف عنها لأواء الحياة وقسوتها , وتشعب همومها وأعبائها .
كماأن هذا الضرب من اللهو والترفيه يقوم بمهمة التنشيط للنفس , حتى تستطيع مواصلة السير والمضي في طريق العمل الطويل , كما يريح الإنسان دابته في السفر , حتى لا تنقطع به .
فمشروعية الضحك والمرح والمزاح لا شك فيها في الأصل , ولكنها مقيدة بقيود وشروط لا بد أن تراعى :
أولها: ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس , كما يفعل بعض الناس في أول إبريل – نيسان – فيما يسمونه « كذبة إبريل » .
ولهذا قال ﷺ : « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم , ويل له , ويل له , ويل له » وقد كان ﷺ يمزح ولا يقول إلا حقاً .
ثانياً: ألا يشتمل على تحقير لإنسان آخر , أو استهزاء به وسخرية منه , إلا إذا أذن بذلك ورضى .
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب , بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) .
وجاء في صحيح مسلم : « بحسب امرئ من الشر أو يحقر أخاه المسلم » .
وذكرت عائشة أمام النبي ﷺ إحدى ضرائرها , فوصفتها بالقصر تعيبها به, فقال . « يا عائشة , لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته » قالت : وحكيت له إنسانا – أي قلدته في حركته أو صوته أو نحو ذلك فقال : « ما أحب أنى حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا »
ثالثاً: ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم . فقد روى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد ﷺ , أنهم كانوا يسيرون مع النبي ﷺ فقام رجل منهم , فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه , ففزع فقال رسول الله ﷺ: « لا يحل لرجل أن يروع مسلماً » .
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع رسول الله ﷺ في مسير , فخفق رجل على راحلته – أي نعس – فأخذ رجل سهما من كنانته فانتبه الرجل , ففزع , فقال رسول الله ﷺ : « لا يحل لرجل أن يروع مسلماً » ( رواه الطبرانى في الكبير ورواته ثقات ) . والسياق يدل على أن الذي فعل ذلك كان يمازحه .
وقد جاء في الحديث الآخر : « لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا » . ( رواه الترمذى وحسنه ) .
رابعاً: ألا يهزل في موضع الجد , ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء , فلكل شئ أوانه , ولكل أمر مكانه , ولكل مقام مقال . والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب .
ومن ممادح الشعراء :
-إذا جد عند الجد أرضاك جده.. وذو باطل إن شئت ألهاك باطله
والباطل هنا يقصد به اللهو والمرح .
-وقال آخر :
أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى ..إنـي إذا جد الرجال لذو جد
-وروى الأصمعي أنه رأى امرأة بالبادية تصلى على سجادتها خاشعة ضارعة فلما فرغت , وقفت أمام المرآة تتجمل وتتزين , فقال لها : أين هذه من تلك ؟
فأنشدت تقول :
وله منى جانب لا أضيعه.. وللهو منى والبطالة جانب !
قال : فعرفت أنها امرأة عابدة لها زوج تتجمل له .
وقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم كانوا يضحكون عند سماع القرآن وكان أولى بهم أن يبكوا , فقال تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُون. وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) -النجم: 58-60-.
خامساً : أن يكون ذلك بقدر معقول , وفى حدود الاعتدال والتوازن , الذي تقبله الفطرة السليمة , ويرضاه العقل الرشيد , ويلائم المجتمع الإيجابي العامل .
والإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شئ , ولو في العبادة , فكيف باللهو والمرح ؟!
ولهذا كان التوجيه النبوي : « ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب » فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة .
وقد ورد عن على رضى الله عنه قوله : « أعط الكلام من المزح , بمقدار ما تعطى الطعام من الملح » .
وهو قول حكيم , يدل على عدم الاستغناء عن المزح , كما يدل على ضرر الإفراط فيه. وخير الأمور هو الوسط دائما , وهو نهج الإسلام وخصيصته الكبرى , ومناط فضل أمته على غيرها .