روى أبو داود أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي ـ ﷺ ـ يعوده، فقال ” إني لا أرى طلْحة إلا قد حدَثَ فيه الموت، فآذِنوني به وعَجِّلوا فإنه لا ينبغي لجِيفَة مسلم أن تُحبس بين ظَهْرَيْ أهله ” وفي الحديث مقال، لكن أخرج أحمد أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال لعلي ـ رضي الله عنه ـ ” ثلاثٌ يا علي لا يُؤخَّرْن: الصلاة إذا آنتْ ـ أي دخل وقتها ـ والجِنازة إذا حضرت، والأيِّم ـ من لا زوج لها ـ إذا وَجَدت كُفئًا ” وفيه كلام، لكن تَشهد للحديثين أحاديث الإسراع بالجِنازة، ومِنْها حديث رواه الجماعة ” أسْرِعوا بالجِنازة فإن كانت صالحة قرَّبتموها إلى الخيْر، وإن كانت غيرَ ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكـم” .
ويجوز تأخير دفن الميت انتظارًا لكثرة المصلِّين عليْه، فقد روى أن رافع بن خَدِيج مات بعد العصر، فأتى ابن عمر فأُخبر بموته، فقيل له : ما ترى؟ أيُخرَج بجنازته الساعة ؟ قال : إن مثل رافع لا يُخرج به حتى يُؤْذن به من حولنا من القرى، فأصْبِحوا واخرجوا بجنازته . الفتح الربَّاني وشرحه ج 7 ص 144 ” كما تأخَّر دفن النبي ـ ﷺ ـ حتى صلى عليه كثيرون واتفقوا على المكان الذي يُدفن فيه .
يؤخذ من هذا استحباب التعجيل بدفن الميت لعدم تغيُّر رائحته، ولهذا كانوا يُطَيِّبون بدنه وكفنه كما روى أحمد قوله ـ ﷺ “إذا أجمرْتم الميت فأجمروه ثلاثًا “، وأَوْصَى بعضُ الصحابة أن تُجمَّر أكفانُهم بالعُود .
ومَحلُّ ذلك إذا لم تكن مصلحة في تأخير دفْنه ككثْرة المشيِّعين له والمصلين عليه، وكتحقيق جناية بالكشف عليه، وحضور أهله إذا كان غائبًا، والتعرُّف عليه إذا لم تكن معه هُوية، ومن هنا يُلجأ أحيانًا إلى تبريد الجُثَّة، أو التَّحْنيط المبدئي بالمواد الكيماوية، وذلك لا مانع منه شرْعًا.
أما التَّحنيط الذي فيه إخراج ما في بطن الميت أو غير ذلك من أعضائه فلا يجوز؛ لأنه تمثيل بالجُثَّة ليس له غرض مشروع، والحديث المرْوى في عدم كسر عظم الميِّت يدل على تكريمه حيًّا وميتًا.