حرم الله تعالى الخمر في الدنيا لما فيها من ضرر بالغ على الإنسان،وأبرز حِكَم تحريمها إذهاب العقل الذي هو مناط التكليف، فغير العاقل لا يكلف، لأنه لا عقل له يستطيع فهم الأحكام الشرعية، وبالتالي تنفيذها.

يضاف إلى هذا الأضرار الحسية التي تسببها الخمر ، ومن الناحية الاقتصادية ففيها الإسراف وتبذير المال فيما لافائدة منه ، ومن الناحية الاجتماعية فإن شارب الخمر لا يستقيم عقله مما يؤثر غالبًا على معاملاته مع الناس ، وغير ذلك مما عرف الناس من حكم أو علل في تحريم الخمر، وكما هو معلوم أن من المقاصد الكبرى للشريعة الحفاظ على العقل ، وهذا يتنافى مع شرب الخمر.

وإن كان الله تعالى قد اقتضت حكمته البالغة تحريم الخمر في الدنيا،فإن من رحمته وفضله أنه أحله في الآخرة ،لانتفاء الضرر، فخمر الآخرة لا ضرر فيها،فلا هي تسكر،ولا هي تذهب العقل،ولا هي من باب التبذير، فما في الآخرة من الدنيا إلا الأسماء ، ولكن تذكر بأسماء الدنيا من باب التقريب للأذهان.

يقول الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق – رحمه الله تعالى -:

يتحدث الله ـ سبحانه وتعالى ـ في أكثر من آية في القرآن الكريم، عن نعيم أهل الجنة ، ومن نعيمهم الحسي: تناول شراب الخمر، وكما أن في الجنة أنهارًا من لبن، ومن عسل، فإن فيها أنهارًا من خمر، يقول ـ سبحانه ـ: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى).

أما تناولهم هذا الشراب، فإن الله ـ تعالى ـ يصفه بقوله: (يُطافُ عليهم بِكَأْسٍ مِن مَعِينٍ. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لَا فِيها غَوْلٌ ولا همْ عنها يُنْزَفُونَ).
والغول: الضرر والصُّداع، والله ـ سبحانه وتعالى ـ ينفي عن خمر الآخرة ذلك، وأما كلمة يُنْزَفُون التي نفاها القرآن الكريم عن شارب الخمر في الجنة، فمن معانيها:
إذهاب العقل، يُقال: نَزِفت الخمر عقلَه بالسكر، أي أذهبتْه، والخمر ـ إذن ـ في الآخرة لا تُذهِب العقل، وخمر الآخرة لا ضرَر فيها ولا سكر، وهذان الأمران هما السبب الذي من أجله حُرِّمت الخمر في الدنيا.

ولقد سُمِّيت الخمر من أجل هذين الأمرين “أم الخبائث”، ولقد حرَّمها بعض العرب في الجاهلية على أنفسهم؛ لأنها تقود الإنسان إلى كل خبيث، وكان ممَّن حرَّمها عبد المطلب جد النبي، صلى الله عليه وسلم.

ولقد لعنها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الدنيا في نفسها كمادة سائلة ، ولعنها في شاربها، ولعنها في عاصرها، ولعنها في معتصرها، ولعنها في حاملها، ولعنها في المُتَّجِر فيها.
لقد لعنها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في جميع ظروفها ومُلابساتها، وقال ـ سبحانه ـ: (إنما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عملِ الشيطانِ فاجتَنِبوهُ لعلَّكم تُفلحونَ).
وما دام قد انتفى منها الضرر والسكر في الآخرة، فقد بَقِيَت لذتها وهي من نعيم أهل الجنة.انتهى

والخلاصة أن انتفاء الضرر عن خمر الآخرة كان سببًا في إباحتها، هذا ما يظهر لنا، أما حقيقة الأمر كلية فلا يعلمه إلا الله تعالى .