إن المفاسد المترتبة على شرب الخمر ، والتي من أجلها حرمت في دين الله تحريما قطعيا كثيرة، استحقت بها أن يقول عنها نبينا – صلى الله عليه وسلم – : ” الخمر أم الخبائث ” ( حديث حسن ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة : 1854 ) .

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” الخمر أم الفواحش ، و أكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته ” ( حديث حسن بشواهده قاله الألباني في السلسلة الصحيحة : 1853 ) .

ولقد جاء في أحد القصص، أن أحد الشباب عندما رجع إلى بيته سكران فوقع على أمه بعدما أخذ السكِّين وهددها بقتل نفسه إن لم تفعل فأخذتها الشفقة وأجابته ، فلما أفاق ودرى بما وقع قتل نفسه .

فانظر أيها المعترض بماذا انتهى أمر هذا الشاب بعد شرب الخمر ، زنىً بأمه وقتلٌ لنفسه ! نسأل الله العافية . بل ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن معظم حالات الاعتداء الجنسي على المحارم مثل الأخت أو الأم والبنت وقعت تحت تأثير الخمور .

هل الإنسان الذي يعترض على تحريم الخمر في الدنيا ، ويريدها حلالا ، على أساس أنها في الجنة نعيم لأهلها ؟!

ألم تكن الخمر محرمة في الكتاب المقدس ، وهو موجود في العهد القديم الذي يؤمنون به ؟

فإن لم يعلم بذلك من قبل ، فهذه بعض ما قيل من كتبهم :

( ويل للأبطال على شرب الخمر ، ولذوي القدرة على مزج السُّكْر ) أشعياء 5/22 ]

( لا تكن بين شريبي الخمر ، بين المتلفين أجسادهم ، لأن السكير والمسرف يفتقران ) الأمثال 23/20-21 ]

{ وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع ، لكي لا تموتوا فرضا دهريا في أجيالكم ، وللتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر } ، [ اللاويين 10/8-10 } .

وهذه إشارة واضحة تدل العاقل الذي يريد الحق ، وأما استيعاب كافة الأدلة فلا يسعه المقام .

بل حتى في العهد الجديد من كتابهم المقدس ، بقي ما يدل على ذلك :

{ وأما الآن فكتبت إليكم : إن كان أحد مدعوا أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا ، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا } [ رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس 5/11 ] .

{ لا تضلوا ؛ لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا مأبونون ، ولا مضاجعو ذكور ، ولا سارقون ، ولا طماعون ، ولا سكيرون ، ولا شتامون ، ولا خاطفون يرثون ملكوت الله } [ إصحاح 6/9 ، 10 ] .

{ لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة ، بل امتلئوا بالروح } [ إصحاح 5/18 ] .

فإن زعم أحد منهم أن تحريمها نسخ ، وأنها صارت حلالا لهم ، فما ينكر أن ينسخ القرآن هذا التحليل ، ويحرمها الله على الناس في الدنيا ؟!

أو هو يعترض على أنها صارت نعيما في الآخرة ، بعد تحريمها في الدنيا ، فيريدها حراما في الدارين ؟!

وهنا يبقى السؤال لهم :

إذا قبلوا أن ينسخ تحريم الخمر في الدنيا ، فصارت حلالا ـ بزعمهم ـ أليس من الأولى أن يقبلوا ذلك في الآخرة ، وهذا مع أن الآخرة ليست دارا للتكليف ، وإنما هي دار نعيم لأهل الجنة ، وعذاب الجحيم لأهل النار ؟!

على أن هذه الأجوبة إنما هي جدال لمن يعترض، لنبين له أنه لم ينصف خصمه حين يعترض عليه، ولم يفكر فيما عنده .

وأما إن كان يطلب معرفة الحق محضا ، فأمر الحق أسهل من ذلك ، فإن على الحق نورا ، وحينئذ يقال له :

إن الله تعالى إنما حرم الخمر لأنها رجس خبيث من عمل الشيطان ، تذهب عقل شاربها ، فتشغله عن طاعة الله تعالى ، وتوقعه في معصيته ، وتورث العداوات والضغائن في قلوب المؤمنين ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) المائدة . وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) صحيح مسلم 2003 .

وهكذا هو الحديث عنها في كتابهم المقدس : { وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب … للتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر } [ اللاويين 10/8-10 } .

وأما خمر الآخرة فهي لذة خالصة من كل قذر ونجس في خمر الدنيا، فالجنة دار الطيبين ، وما فيها إلا طيب ؛ قال ربنا سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ) سورة الصافات ، فلا تغتال عقولهم فتخلبها وتتلفها ، وتصدع لهم رؤوسهم ، ولا تتلف لهم أموالهم .

خمر الآخرة لا تشبه خمر الدنيا إلا في اسمها ، وأما حقيقتها فذلك : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال ربنا عز وجل : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17

وحُق لمن تدنس بخمر الدنيا أن يحرم من خمر الآخرة ؛َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ” صحيح مسلم 2003 .