معنى كون الرياح لواقح أنها تلقح النباتات حيث تنقل حبوب اللقاح بين البناتات ، وأنها تلقح السحب حين تخلط السالب منها بالموجب فتسبب نزول المطر ، وكل ذلك بـأمر الله تعالى، وهو ما كشفه العلم الحديث ، مما يدل على إعجاز القرآن الكريم.

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل، الأستاذ بجامعة الأزهر:
يقول الله ـ عز وجل ـ في سورة الحجر: (وأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فأنْزَلْنَا مِنَ السماءِ ماءً فأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وما أنتمْ لهُ بِخَازِنِينَ). (الآية : 22) .
يقول فريق من العلماء إن هذه الآية تدل على ظاهرة طبيعية علمية لم يعرفْها الباحثون إلا بعد نزول القرآن الكريم بقُرونٍ ، وهذه الظاهرة هي ظاهرة التلقيح في النبات بواسطة الريح، فقد أثبت علم النبات الحديث أن الرياح تقوم بالمعاونة على عملية التلقيح في كثير من النباتات كالذرة والقمح والشعير وغيره، حيث تنقل هذه الرياح حبوب اللِّقاح من أعضاء التذكير للزهرة، إلى أعضاء التأنيث للزهرة نفسها، أو لأعضاء التأنيث في زهرة أخرى، وهذه الحبوب خفيفة جدًّا في وزنها، ويحيط بها أهداب كثيرة غزيرة تعاونها على الانتقال في الهواء، وقد يُتمم هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى في سورة الذارايات: (ومِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). (الآية : 49).

ويشرح بعض العلماء، كيف تقوم الرياح بتلقيح النبات فيذكر أن النبات إذا نما ظهرت فيه أزهار تمرُّ بتطورات خاصة تنتهي بتكوين الثمار والبذور، وهذه الأزهار المختلفة الشكل واللون والرائحة هي العضو الخاص بالتناسل في النبات، وتوجد في الزهرة أعضاء أساسية منها عضو التذكير وعضو التأنيث، وفي عضو التذكير حبوب دقيقة تُسمَّى حبوب اللقاح، وهي ذات ألوان وأحجام وأشكال مختلفة، ويوجد في عضو التأنيث مبيض بداخله بويضات إذا تقابلت مع حبوب اللقاح حدثت عملية التلقيح والإخصاب، وتكونت البذور التي تشبه الأولاد لهذا النبات.

والتلقيح نوعان:

1-تلقيح ذاتي، وفيه تلقح الزهرة ذاتها ونفسها.

2-وتلقيح خلطي، وفيه تنْتقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة أخرى، ومن وسائل هذا الانتقال الرياح، وعلى سبيل المثال نجد نبات ” الذرة ” وفي أعلاه نوع من الأزهار، وهي أزهار مذكرة، وكذلك يحمل على طول جوانبه أزهارًا مؤنثة هي التي تكون كوز الذرة بعد التلقيح، والوسيلة هنا لهذا التلقيح هي الرياح.

وكذلك نبات النخيل العالي، توجد فيه نخلة مذكرة، ونخلة مؤنثة، وإذا لم يَتمَّ بينها التلقيح صناعيًّا فإن الرياح تقوم بهذه العملية؛ ولا شك أن هذه نعمة إلهية جليلة، كما أن هذه الآية الكريمة تُشير إلى ناحية علمية سبق إلى تقريرها القرآن الكريم الذي لا يَأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وذهب فريق من المُفسِّرين إلى أن المراد بقوله تعالى: (وأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) أنها تلقح السحاب، أي تَحمله وتخلط بعضه ببعض، ثم تكون سببًا في إنزال المطر، وهذا التفسير يُشير إلى حقيقة علمية أخرى؛ لأن السحب كما يقول بعض العلماء تنشأ من تكثُّف بخار الماء من الهواء، حيث يرتفع البخار في طبقات الجو العليا، فعندما يسخن الهواء القريب من الأرض بتأثير الحرارة يرتفع البخار في الجو، وكلما ارتفع نقصت درجة حرارته حتى يتشبَّعَ بالرطوبة ثم يتكون منه السحاب.

وقد ثبت علميًّا أن السحاب يُشبه الكهرباء، أو بتعبير آخرَ فيه من الكهرباء سالبة وموجبة، فعندما تتصادم سحابةٌ بأخرى يتولَّد من احتكاكهما البرق اللامع. وهذا الاحتكاك يتمُّ بوساطة الرياح التي تُحرِّك السحاب وقطرات الماء من مكان إلى مكان، وتخلط فيه سحابًا باردًا بسحاب أكثر برودة، كما تخلط فيه سالبًا بموجب، وتظل الرياح تحرك في السحاب وتمزج بين أجزائه، حتى تتم عملية الإمطار، فينزل ماء المطر على الأرض، وهذا يناسب ما جاء في الآية السابقة، وهي قوله تعالى: (وأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً). إلى آخر الآية.

وعلى هذا التفسير تكون الآية أيضًا إشارة إلى حقيقة علمية عرَفها العلماء بعد ذكر القرآن الكريم لها بقرون ، وكلمة ” لواقح ” المذكورة في الآية تصلح لكي تشمل التفسير الأول والتفسير الثاني؛ وهذا برهان على إعجاز القرآن المجيد.