قصص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقًا وبلاغة.

-قال تعالى: (نَحْنَ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) (سورة الكهف : 13).

-وقال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) (سورة هود: 49).

-وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120).

وإذا كان هناك تكرار في القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن القرآن لم ينزل مرة واحدة حتى يُعاب التكرار، ولكنه نزل مُنجمًا مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، و ذلك هو سر البلاغة التي نزل بها القرآن في أعلى درجاتها.

والنظرة العابرة إلى القصة التي نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تمامًا، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن القصة في موضع يُركز فيها على جانب، منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة؛ لأن المقام يقتضي إبراز هذا الجانب، بينما تراها هي في موضع آخر يُركز فيها على جانب معيَّن منها كان في غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضًا، ولذلك قد يهمل في بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين في مقام آخر، ومن هنا كان متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذي كان عليه التركيز في كل منها.
وليست قصة موسى هي وحدها التي تكررت في القرآن، فإلى جانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التي في قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليها الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددًا كبيرًا من اليهود كان موجودًا في المدينة وكان لهم دور كبير في مقاومة الدعوة.
على أن قضية ضعف النص الأدبي بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغًا حتى لو كان متشابهًا تمام التشابه في تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب في البيت الواحد من الشعر تعميقًا لحبه وإيذانًا بشرفه.
ألا حبذا هند وأرض بها هند
وهند أتى من دونها النأي والبعد
وتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها وتكرار قوله تعالى في سورة المرسلات (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرات، وهي قصيرة أيضًا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضي التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير.
وبهذا لا مجال للطعن في بلاغة القرآن الكريم، الذي تحدَّى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن يتعمق في المعرفة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطيء، ولم ينزل بعدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذي أتقن كل شيء (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد) (سورة فصلت: 42).