من المعلوم أن الطهارة من النجس شرط لصحة الصلاة عند جمهور الفقهاء، فلو صلى وفي بدنه أو ثوبه نجاسة، وكان عالمها بها بطلت صلاته، وهناك رأيان للمالكية في حكم الطهارة من النجاسة، هل هي واجبة لصحة الصلاة أم سنة، فعلى القول بالوجوب كانت الصلاة باطلة عند العلم بالنجاسة، وعلى القول بالندب لا تبطل الصلاة، فتجب إعادتها في الوقت أو بعده على القول الأول وتندب إعادتها على القول الثاني.

الصلاة بالنجاسة ناسيا أو جاهلا بها

-إذا صلى بالنجاسة ناسيًا لها، أو جاهلاً لها، أو عاجزًا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين عند المالكية، وتندب الإعادة في الوقت المسموح به للصلاة “الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف حكم إزالة النجاسة”.

-وفي فقه الحنابلة يقول ابن قدامة في المغني “ج1 ص 718”: وإذا صلى ثم رأى عليه نجاسة في بدنه أو ثيابه لا يعلم هل كانت عليه في الصلاة أو لا –فصلاته صحيحة، لأن الأصل عدمها في الصلاة، وإن علم أنها كانت في الصلاة لكن جهلها حتى فرغ منها ففيه روايتان.

إحداهما لا تفسد صلاته، هذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد بن المسيب، وآخرين.

والثانية يعيد، وهو قول أبي قلابة والشافعي؛ لأنها طهارة مشترطة للصلاة، فلم تسقط بجهلها كطهارة الحدث، وقال ربيعة ومالك: يعيد ما كان في الوقت ولا يعيد بعده.
وجه الرواية الأولى –عدم الفساد- ما روى أبو سعيد قال: بينا رسول الله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فخلع الناس نعالهم، فلما قضى رسول الله صلاته قال: “ما حملكم على إلقائكم نعالكم”؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، قال: “إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا” رواه أبو داود. ولو كانت الطهارة شرطًا مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة، وتفارق طهارة الحدث لأنها آكد، لأنها لا يعفى عن يسيرها وتختص البدن.
وإن كان قد علم بالنجاسة ثم أنسيها وصلى فقال القاضي: حكى أصحابنا في المسألتين روايتين، وذكر هو في مسألة النسيان أن الصلاة باطلة، لأنه منسوب إلى التفريط، بخلاف الجاهل بها، قال الآمدي: يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة، والصحيح التسوية بينهما؛ لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان، بل النسيان أولى لورود النص بالعفو عنه بقول النبي : “عُفِي لأمتي عن الخطأ والنسيان.

إن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن قلنا: لا يعذر بالجهل والنسيان فصلاته باطلة، ويلزمه استئنافها، وإن قلنا يعذر فصلاته صحيحة.
ثم إن أمكنه طرح النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ألقاها وبني، كما خلع النبي نعليه حين أخبره جبريل بالقذر فيهما، وإن احتاج إلى أحد هذين –الزمن الطويل والعمل الكثير- بطلب صلاته، لأنه يفضي إلى أحد أمرين:

إما استصحاب النجاسة مع العلم بها زمنًا طويلاً.

أو يعمل في الصلاة عملاً كثيرًا فتبطل به الصلاة فصار كالعريان يجدد السترة بعيدة عنه. انتهى.

وفي فقه الشافعية جاء في “كفاية الأخيار” ج1 ص81: إذا صلى بنجاسة لا يعفى عنها وهو جاهل بها حال الصلاة، سواء كانت في بدنه أو ثوبه أو موضع صلاته، فإن لم يعلم بها البتة فقولان، الجديد الأظهر يجب عليه القضاء؛ لأنها طهارة واجبة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث، والقديم أنه لا يجب، ونقله ابن المنذر عن خلائق واختاره، وكذا النووي اختاره في شرح المهذب.
وإن علم بالنجاسة ثم نسيها فطريقان، أحدهما على القولين – أي الجديد والقديم كما لو لم يعلم بها- والمذهب القطع بوجوب القضاء لتقصيره.
ثم إذا أوجبنا الإعادة فيجب عليه إعادة كل صلاة صلاها مع النجاسة يقينًا، فإن احتمل حدوثها بعد الصلاة فلا شيء عليه؛ لأن الأصل عدم وجدانها في ذلك الزمن، ولو رأى شخصًا يريد الصلاة وفي ثوبه نجاسة والمصلي لا يعلم بها لزم العالم إعلامه بذلك، لأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على العصيان، بل هو لزوال المفسدة، قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وهي مسألة حسنة والله أعلم. انتهى.
والحديث الذي دار عليه هذا الحكم وهو حديث خلع الرسول لنعليه، حديث ضعيف، والأقوال كلها اجتهادية، ويمكن الرجوع إلى كتاب “نيل الأوطار للشوكاني” ج2 ص 123، حيث لخص الموضوع فيما سبق ذكره من أن طهارة الثوب شرط لصحة الصلاة عند الأكثرين، وذكر رأي مالك في قوليه، وقولي الشافعي وقال: إن حجة الجمهور هي قوله تعالى: (وثيابك فطهر) [سورة المدثر: 4]، وتحدث عن كون الأمر للوجوب أو الندب، وأن الوجوب لا يستلزم الشرطية، وفيه كلام طويل.