حث الإسلام على فعل الخيرات، وجعل في كل كبد رطبة أجرا حتى في الحيوانات العجماوات، ولا شك أن الأفضل في حق المسلم أن يتحرى بصدقته أن تصرف لصالح المسلمين المتقين، لقوله ﷺ: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي). رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما وحسنه الشيخ الألباني.
وقد اختلف الفقهاء في جواز صدقة التطوع على الكافر، والراجح من أقوالهم جوازها عليه، لقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) -الإنسان:8- والأسير في ذلك الوقت كافر.
يقول فضيلة الدكتور عبد الله بن بيه –نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-:
يجوز أن تدفع الملابس والأشياء العينية إلى من يحتاجها من غير المسلمين؛ فقد جاء في الحديث: “في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”. أخرجه البخاري (2466) ومسلم (2244). والأجر في كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًاوَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) -الإنسان:8-. ومعلوم أن الأسير في هذه الآية هو الأسير غير المسلم، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى امتدح هؤلاء بأنهم يطعمون الأسير، حتى وإن كان غير مسلم.
وقد قال أبو حنيفة –رحمه الله تعالى-: (إن الزكاة تجوز على غير المسلمين). طبعًا في عهد المسلمين وذمتهم، فالصدقة على غير المسلمين من المحتاجين والمرضى هي صدقة مقبولة – إن شاء الله سبحانه وتعالى- ولا مانع منها، وجاء في الحديث الصحيح أن أسماء، رضي الله عنها، قد جاءتها أمها – والكلام هنا عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما- قدمت عليها أمها، وكانت مشركة، فقالت أسماء، رضي الله عنها، للنبي ﷺ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي راغِبةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قال ﷺ: “نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ”. أخرجه البخاري (2620) ومسلم (1003). فأمرها بصلتها مع أنها كافرة.
وذلك أمر حسن مرغوب فيه، وأيضًا من شأنه أن يصلح العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وأن يظهر للناس سماحة الإسلام وفضله، وأن المسلمين يواسون كل المحتاجين، حتى ولو كانوا غير مسلمين. انتهى..
وجاء في كتاب المغني لابن قدامة:
وَكُلُّ مَنْ حُرِمَ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَقَرَابَةِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِمْ , يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِمْ , وَلَهُمْ أَخْذُهَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } . وَلَمْ يَكُنْ الأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلا كَافِرًا. ا.هـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
اختلف الفقهاء في جواز صدقة التطوع على الكافر ، وسبب الخلاف : هو أن الصدقة تمليك لأجل الثواب ، وهل يثاب الشخص بالإنفاق على الكفار ؟ .
فقال الحنابلة : وهو المشهور عند الشافعية ، والمنقول عن محمد في السير الكبير : إنه يجوز دفع صدقة التطوع للكفار مطلقا ، سواء أكانوا من أهل الذمة أم من الحربيين ؟ مستأمنين أم غير مستأمنين ، وذلك لعموم قوله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } .
قال ابن قدامة : ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرا، ولقوله ﷺ : ” في كل كبد رطبة أجر “، وقد ورد في حديث “أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ فاستفتيت رسول الله ﷺ قلت : إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك”؛ ولأن صلة الرحم محمودة في كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق.
وفرق الحصكفي في الدر بين الذمي وغيره فقال : وجاز دفع غير الزكاة وغير العشر والخراج إلى الذمي – ولو واجبا – كنذر وكفارة وفطرة خلافا لأبي يوسف .
وأما الحربي ولو مستأمنا فجميع الصدقات لا تجوز له.
ويقرب منه ما ذكره الشربيني من الشافعية حيث قال : قضية إطلاق حل الصدقة للكافر . أنه لا فرق بين الحربي وغيره ، وهو ما في البيان عن الصيمري والأوجه ما قاله الأذرعي من أن : هذا فيمن له عهد ، أو ذمة أو قرابة أو يرجى إسلامه ، أو كان بأيدينا بأسر ونحوه . فإن كان حربيا ليس فيه شيء مما ذكر فلا.