إن الزكاة التي ذكرت في القرآن المكي، لم تكن هي بعينها الزكاة التي شرعت بالمدينة، وحددت نصبها ومقاديرها، وأرسل السعاة لجبايتها وصرفها، وأصبحت الدولة مسئولة عن تنظيمها.
الزكاة في مكة كانت زكاة مطلقة من القيود والحدود، وكانت موكولة إلى إيمان الأفراد وأريحيتهم وشعورهم بواجب الأخوة نحو إخوانهم من المؤمنين. فقد يكفي في ذلك القليل من المال، وقد تقتضي الحاجة بذل الكثير أو الأكثر.
وقد استنتج بعض الباحثين من تعبيرات القرآن في السور المكية: ( حقه ) (الإسراء: 26) و( حق للسائل والمحروم ) (الذاريات: 19) و ( حق معلوم ) (المعارج: 24).. في الآيات، أنها يمكن أن تلهم أن النبي – ﷺ – قد حدد مقادير معينة على أموال القادرين من المسلمين زكاة عن أموالهم المتنوعة (سيرة الرسول – صورة مقتبسة من القرآن الكريم تأليف محمد عزة دروزة 341/2).
ولكن لم ينقل ما يؤيد هذا الاستلهام، بل نقل ما يخالفه. ولم تكن هناك حاجة إلى هذا التحديد، والقوم يبذلون أنفسهم وكل ما بأيديهم. وليس من الضروري ألا يكون الحق معلومًا إلا بتعيين النبي – ﷺ -، بل يصح أن يكون معلومًا بتعيين المنفق نفسه، كما ذكر المفسرون، أو بتعيين العرف حسب المصلحة والحاجة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة ” المؤمنين ” عند قوله تعالى: ( والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون :4) الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة، في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة. قال تعالى في سورة الأنعام – وهي مكية: ( وآتوا حقه يوم حصاده ) (تفسير ابن كثير 238/3، 239 – ط. الحلبي، والآية من سورة الأنعام: 141).