معنى “الستير” في اللغة:
ستر الشيء يستره ويستره سترا وسترا : أخفاه .
والسّتر بالفتح : مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته ، فاستتر هو .
وتستر أي : تغطّى .
ورجل مستور وستير : أي عفيف ، والجارية ستيرة .
والسّتر معروف : ما ستر به ، والجمع أستار وستور وستر . والسّتر : التّرس .
والسّترة ما استترت به من شيء كائنا ما كان .
اسم الله “الستير” في السنة النبوية:
ورد في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يغتسل بالبراز بلا إزار ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ﷺ : ” إن الله عز وجل حيي ستير ، يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ” .
وللستير روايتان : إحداهما : كسر السين وتشديد التاء مكسورة .
والثانية : فتح السين وكسر التاء مخففة .
معنى “الستير” في حق الله تبارك وتعالى:
قال البيهفي : وقوله ” ستير ” يعني أنه ساتر يستر على عباده كثيرا ، ولا يفضحهم في المشاهد .
كذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم ، واجتناب ما يشينهم ، والله أعلم .
وقال ابن الأثير : ” إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر ” : ستير : فعيل بمعنى فاعل ، أي : من شأنه وإرادته حب الستر والصون .
وقال ابن القيم :
وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهـــر منه بالعصيان
لكنـــه يلقـــي عليـــه ستـــره فهو الستير وصاحب الغفران
وقال المناوي : ” ستير ” بالكسر والتشديد ، أي : تارك لحب القبائح ، ساتر للعيوب والفضائح ، فعيل بمعنى فاعل .
وجعله بمعنى مفعول ، أي : مستور عن العيون في الدنيا ، بعيد من السوق ، كما لا يخفى على أهل الذوق .
من آثار الإيمان باسم الله “الستير”:
1 ــ إن الله تعالى ستير يحب الستر والصون ، فيستر على عباده الكثير من الذنوب والعيوب ، ويكره القبائح والفضائح والمجاهرة بها .
2 ــ وقد أمر تبارك وتعالى بالستر ، وكره المفاخرة بالمعصية ، أو مجرد محبة ذكرها وشياعها بين المؤمنين .
قال سبحانه : (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) [ النور : 19] .
أي : الذين يريدون ويقصدون أن تنتشر الفاحشة في أهل الإيمان وتفشو فيهم ، الفاحشة : هي الفعلة القبيحة ، قيل هي : الزنا ، وقيل : الرمي بالزنا ، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا ) مما يصيبهم من البلاء كالشلل والعمى ( والآخرة) من عذاب النار ونحوه .
وفي الآية دليل : على أن أعمال القلب السيئة ، كالحقد والحسد ومحبة شيوع الفاحشة ، يؤاخذ بها العبد إذا وطن نفسه عليها .
وأخبر الرسول ﷺ أن المجاهر بالمعاصي لا يعافي منها فقال : ” كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ” .
قال الكرماني : ومحصل الكلام : كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه ، ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن .
وقال ابن بطّال : في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين ، وفيه ضرب من العناد لهم ، وفي الستر بها : السلامة من الاستخفاف ، لأن المعاصي تذل أهلها ، من إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ، ومن التعزير إن لم يوجب حدا ، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ، ورحمته سبقت غضبه ، فلذلك إذا ستره في الدنيا ، لم يفضحه في الآخرة .
والذي يجاهر يفوته جميع ذلك .
3 ــ وأما المؤمن فإنه لو وقع في معصية أو تقصير في واجب بالغ في الستر على نفسه ، كما ورد عن بعض السلف : أنه خرج إلى الصلاة فاستقبله الناس خارجين من المسجد ، فغطى وجهه ورجع.
وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأله : كيف سمعت رسول ﷺ يقول في النجوى ؟ قال : ” يدنوا أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه ، فيقول عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم ، ويقول : عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم فيقرّره ثم يقول : إني سترت عليك في الدنيا ، فأنا أغفرها لك اليوم ” .
وفي رواية : ” فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ، فيعطى صحيفة حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على الله ” .
وقد جاءت البشارة بذلك للمؤمنين : أن من سَتَرَ الله عيبه في الدنيا ، فإنه سيتيره في الآخرة .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال ” لا يستر الله على عبد في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة ” .
4 ــ كما حث ﷺ على الستر على عباد الله ، ورغب في ذلك لموافقته رضى مولاه ، وصفة خالقه ، فقال : “…. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ” .
ولما جاء رجل إليه ﷺ فقال : يا رسول الله ، إني عالجت إمراة في أقصى المدينة ، وإني أصبت منها مادون أن أمسّها ، فأنا هذا فاقض فيّ ماشئت ، فقال له عمر : لقد سترك الله ، لو سترت على نفسك قال : فلم يرد النبي ﷺ شيئا ، فقام الرجل فانطلق ، فأتبعه النبي ﷺ رجلا دعاه وتلا عليه هذه الآية : (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ ) [ هود : 114] .
فقال رجل من القوم : يا نبي الله ، هذا له خاصة ؟ قال ” بل للناس كافة ” .
وسكوته ﷺ على مقولة عمر دليل رضاه ومحبته لها ، إذ هو لا يقر أحدا على باطل كما هو معلوم .
ونهى عليه الصلاة والسلام عن تتبع عورات المسلمين والبحث عنها وكشفها ، فقال : “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم ، يتبع الله عورته ومن يتبع عورته يفضحه في بيته” .
5 ــ وكان من دعائه ﷺ في هذا الباب : ما حفظه ابن عمر رضي الله عنه قال : لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح : ” اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي ، وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وشمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ” .
تنبيه : جرى على السنة كثير من الناس اسم ” ساتر ” فيقولون : يا ساتر ، ولم يرد هذا الاسم في سنة صحيحة ــ فيما أعلم ــ فينبغي أن يقال يا ستّير ، فتنبه !
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي