الطلاق في الحيض من المسائل المهمة التي يكثر البحث و السؤال عنها، وهو أن يقول الزوج لزوجته أنت طالق مرة أو مرتين أو ثلاثا، أو يعلق الطلاق بشرط نحو: إن خرجت إلى كذا مكان فأنت طالق .. ويكون كل ذلك في فترة الحيض، ويعد طلاق الحائض أحد نوعي الطلاق البدعي المحرم والذي يجب على كل مؤمن أن يتقي الله فيه ولا يقول أبداً لحرمته وفساده ومخالفته للطلاق الشرعي الذي شرعه الله وبينه رسوله ﷺ، وهل يقع الطلاق في الحيض؟ هذا ما سنتعرف عليه خلال هذا المقال.
حكم الطلاق في الحيض في المذاهب الأربعة
حكم الطلاق في الحيض أو طلاق الحائض حرام في مذاهب الفقه الإسلامي الأربعة، وأنه يعد من الطلاق البدعي بسبب مخالفته للنص القرآني والهدي النبوي على صاحبه الصلاة والسلام، فالطلاق في الحيض معصية ويأثم الرجل إذا طلق طلاقا بدعيا ويستوجب منه التوبة والندم، وذلك لمخالفته الآية الكريمة {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1]، ولما جاء في حديث ابن عمر: «أنه طلق امرأته، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ، فقال: مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً»[1].
هل الطلاق في الحيض يقع أم لا؟
اختلف الفقهاء في وقوع الطلاق في زمن الحيض واحتسابه أحد المرات التي يسمح فيها الطلاق إلى قولين كما يأتي:
القول الأول – وهو رأي جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع الطلاق في زمن الحيض، وذلك بناء على مجموعة من الأدلة الواردة في المسألة وهي كما يلي:
- أن النبي ﷺ أمر عبد الله بن عمر رضي الله عنه بالمراجعة، وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. ونص الحديث كما سبق: «أن عبد الله بن عمر طلق امرأته، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ، فقال: مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً».
- وفي لفظ الدارقطني، قال: قلت يا رسول الله أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا كان يحل لي أن أراجعها؟ قال: “كانت تبين منك وتكون معصية”[2]
وكان ابن عمر يقول: «من طلق امرأته ثلاثا فقد بانت منه امرأته وعصى ربه تعالى وخالف السنة». وقال نافع: كان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه، راجعها كما أمره رسول الله ﷺ.
- ولأن الطلاق في الحيض طلاق من مكلف في محله فوقع كطلاق الحامل.
- ولأن الطلاق في الحيض ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له.
وبناء على هذا القول اختار السادة الحنفية والمالكية: أنه يجب على من طلق زوجته في الحيض أن يراجعها. وقال الشافعية: لا يجب عليه المراجعة ولكن يسن ذلك، وقال الحنابلة: إنما يستحب ذلك[3]، وذلك في حالة تجوز فيها الرجعة، أما في حالة البينونة الصغرى أو الكبرى التي لا يمكن فيها الرجوع فإن الإثم ثابت.
وبهذا ترجح أن الطلاق البدعي هو الطلاق المخالف للمشروع في الدين، وأن الطلاق في الحيض طلاق بدعي ويعتد به أي يعتبر واقعا ويعد تطليقة ويأثم الفاعل، ولكن يجب أن يراجع زوجته بسبب مخالفته السنة التي أمر النبي ﷺ في فعله.
القول الثاني:- الظاهرية وبعض التابعين
وذهب الظاهرية وبعض التابعين إلى أن الطلاق البدعي في صورة الطلاق زمن الحيض لا يقع
ومن هؤلاء عبد الله بن معمر، وسعيد بن المسيب، وطاووس: من أصحاب ابن عباس، وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين، وهو اختيار الامام ابن عقيل من أئمة الحنابلة والظاهرية وأحد الوجهين في مذهب الامام أحمد، واختاره ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن باز وابن عثيمين واستدلوا بأمور منها:
- أن النكاح ثابت بيقين، ولا يزول إلا بيقين مثله من كتاب أو سنة أو إجماع متيقن، ولا سبيل لكم إلى ذلك.
- أن هذا طلاق لم يشرعه الله البتة ولا أذن فيه، فليس من شرعه، فكيف يقال بنفوذه؟ .. قال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]
وصح عن النبي المبين عن الله مراده من كلامه أن الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس طلاقا للعدة في حق المدخول بها، فلا يكون طلاقا، فكيف تحرم المرأة به؟
وقال تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229]
ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق المأذون فيه، وهو الطلاق للعدة، فدل على أن ما عداه ليس من الطلاق، فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرتين، فلا يكون ما عداه طلاقا[4].
- ما رواه أبو داود:
حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر، قال أبو الزبير وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال: طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله ﷺ فسأل عمر عن ذلك رسول الله ﷺ فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئا وقال: «إذا طهرت فليطلق أو ليمسك» .. قال ابن عمر: وقرأ رسول الله ﷺ: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} في قبل عدتهن».
قالوا: وهذا إسناد في غاية الصحة؛ فإن أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال: سمعت، أو حدثني، زال محذور التدليس، وزالت العلة المتوهمة، وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال «عن» ولم يصرح بالسماع، ومسلم يصحح ذلك من حديثه .. فأما إذا صرح بالسماع فقد زال الإشكال وصح الحديث وقامت به الحجة[5].
ونوقش: بأنه خلاف الأحاديث الصحيحة.
قال أبو داود: والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير[6].
وقال الشافعي: ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به.
وقال الخطابي: حديث يونس بن جبير أثبت من هذا[7]، يعني قوله: «مره فليراجعها» وقوله: «أرأيت إن عجز واستحمق؟» قال: فمه.
وقال ابن عبد البر: وهذا لم ينقله أحد غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة أجلاء، فلم يقل ذلك أحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه[8].
- أن هذا طلاق لم يأذن الله فيه، وهو لو وكل وكيلا أن يطلق امرأته طلاقا جائزا، فطلق طلاقا محرما لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان إذن المخلوق معتبرا في صحة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع؟.-
ونوقش: بالفارق؛ لأن غير الزوج لا يملك الطلاق، والزوج يملكه بمحله.
- أن الشارع قد حجر على الزوج أن يطلق في حال الحيض، فلو صح طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على منعه التصرف أقوى من حجر الشارع حيث يبطل التصرف بحجره.
- أنه لو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقة ثانية فائدة، بل فيه مضرة عليهما؛ فإن له أن يطلقها بعد المراجعة بالنص والإجماع، وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول تكثير الطلاق وتطويل العدة وتعذيب الزوجين جميعا، فإن النبي ﷺ لم يوجب عليه أن يطأها قبل الطلاق؛ بل إذا وطئها لم يحل له أن يطلقها حتى يتبين حملها أو تطهر الطهر الثاني[9].
وهناك أدلة أخرى ذكرها صالح بن عبد الله اللاحم في كتابه (الأحكام المترتبة على الحيض والنفاس والاستحاضة) يمكن الرجوع إليها.
الترجيح في حكم وقوع الطلاق في الحيض
والراجح المختار من هذه الأقوال مذهب جمهور الفقهاء للنص الصحيح الصريح خصوصا ما جاء في رواية البخاري: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: “حُسِبَت عليّ بتطليقة”[10].
قال الحافظ في الفتح: (353/ 9):
إن النبي ﷺ هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي ﷺ بعيدا جدا، مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك. وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبي ﷺ تغيظ من صنيعه؟ كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة.
قال ابن حجر: وقد أخرج بن وهب في مسنده عن بن أبي ذئب أن نافعا أخبره أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: “مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر.
قال ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي ﷺ وهي واحدة قال بن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي ﷺ بذلك
وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب وبن إسحاق جميعا عن نافع عن بن عمر عن النبي ﷺ قال هي واحدة.
وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه[11].
وقال ابن بطال: الطلاق يقع فى الحيض عند جماعة العلماء، وإن كان عندهم مكروهًا غير سنة، ولا يخالف الجماعة فى ذلك إلا طائفة من أهل البدع لا يعتد بخلافها، فقالوا: لا يقع الطلاق فى الحيض ولا فى طهر قد جامع فيه، وهذا قول أهل الظاهر، وهو شذوذ لم يعرج عليه العلماء؛ لأن ابن عمر الذى عرضت له القصة احتسب بتلك التطليقة، وأفتى بذلك».
حكمة منع الطلاق في الحيض
تظهر حكمة منع الطلاق في حالة حيض المرأة أساسا لأن الطلاق في هذه الصورة يخالف أمر الله تعالى الذي خاطب به المؤمنين حيث قال: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1] والعدة هي أن تطلق في طهر لم يجامعها فيه، وهو الوقت الذي شرع فيه، فلا يجوز مخالفته.
ويضاف إلى ذلك من الحِكم ما يأتي:
– خشية تطويل العدة على المرأة، لأن من المعلوم أن بقية الحيضة التي طلقت فيها غير داخلة في العدة.
– إن الحيض حال نفرة وزهد وما يدري هذا الزوج الذي طلق حال الزهد أن يندم في زمان الطهر عند توقان النفس للجماع.
– ومن الحكمة أن هذا الأمر تعبدي.
طلقت زوجتي وهي حائض هل يقع الطلاق؟
نعم يقع الطلاق في الحيض في كلام جمهور الفقهاء حسب التفاصيل المتقدمة، ويعتد بهذا الطلاق مع اتفاق العلماء على أن هذا الطلاق البدعي خطأ ويقع الزوج المطلق في الإثم لمخالفته السنة، فإذا طلق زوجته في الحيض وجب عليه مراجعتها، رفعا للإثم، ما دامت الرجعة ممكنة، بأن كان الطلاق رجعيا، فإذا كان بائنا بينونة صغرى أو كبرى تعذر الرجوع واستقر الإثم.
عدة طلاق الحائض
تبتدئ عدة طلاق الحائض بعد الطهر من الحيض الذي طلقها فيه، فالحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحسب من العدة بإجماع مذاهب الأئمة الأربعة.
وبناء على حديث ابن عمر، فإن الطلاق في الحيض وإن كان واقعا ونافذا في كلام جمهور الفقهاء إلا أن العدة تبدأ فقط بعد الطهر، وهي ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات أو أطهار. والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]
قال ابن قدامة في المغني: الحيضة التي تطلق فيها، لا تحسب من عدتها، بغير خلاف بين أهل العلم؛ لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء، فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة، فلا يعتد بها”.
متى تبدأ عدة طلاق الحائض؟
إذا طلق الزوج امرأته طلاقاً بدعياً فإنه تسن له رجعتها إن كان لها رجعة، ثم يمسكها إلى أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه، ثم تحيض ثانياً وتطهر بدون أن يقربها، ثم يطلقها في الطهر الثاني الذي لم يقربها فيه ولا في الحيض الذي قبله[12].
اختلف الفقهاء القائلون بأن الطلاق في الحيض يقع ويعتد به، في تحديد الوقت الذي تبدأ عدة طلاق الحائض، وسبب ذلك الاختلاف في لفظ حديث ابن عمر:
1- رواية نافع عن ابن عمر، قال النبي ﷺ: (مره فليرجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء). ويوافقه رواية سالم عن ابن عمر.
2- رواية يونس بن جبير، وسعيد بن جبير، عن ابن عمر فى هذا الحديث، قالوا: يراجعها، فإذا طهرت طلقها إن شاء” رواه مسلم.
فقد اختلف العلماء في المسألة تبعا لاختلاف الروايات على النحو الآتي:
القول الأول – وجوب الانتظار إلى الطهر الثاني وتبدأ العدة بعد الطهر الثاني، وإليه ذهب مالك، وأبو يوسف، والشافعي، وأخذوا بالرواية الأولى التي رواها نافع عن ابن عمر، فقالوا: من طلق امرأته حائضًا أنه يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، وإن شاء أمسك.
وقالوا: للطهر الثاني والحيضة الثانية معان صحيحة:
- إن حيض الطلاق والطهر التالي له بمنزلة قرء واحد، فلو طلق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد، وهو مخالف للسنة
- عقوبة المطلق الذي طلق في زمن الحيض، فعوقب بنقيض قصده.
- ليزول المعنى الذي حرم الطلاق في الحيض لأجله (وهو تطويل العدة)
- لو أبيح له أن يطلقها إذا طهرت من تلك الحيضة كانت فى معنى المطلقة قبل البناء لا عدة عليها، ولا بد لها أن تبني على عدتها الأولى، فأراد الله على لسان نبيه أن يقطع حكم الطلاق الأول بالوطء؛ لئلا يراجعها على نية الفراق حتى يعتقد إمساكها ولو طهرًا واحدًا، فإذا وطئها فى طهر لم يتهيأ له أن يطلقها فيه؛ لأنه قد نهى أن يطلقها فى طهر قد مسها فيه حتى تحيض بعده ثم تطهر، فإذا طلقها بعد ذلك استأنفت عدتها من ذلك الوقت ولم تبن.
وبناء على هذا القول فإن المرأة التي طلقت في الحيض تبدأ عدتها بعد الطهر الثاني إذا طلقت بعد المراجعة.
القول الثاني – الانتظار إلى الطهر الثاني مستحب وليس بواجب، وعليه إذا طلقها بعد الطهر الأول بدأت العدة، وإليه ذهب أبو حنيفة وأكثر أهل العراق، واستندوا إلى ما رواه يونس بن جبير، وسعيد بن جبير، عن ابن عمر فى هذا الحديث، قالوا: يراجعها، فإذا طهرت طلقها إن شاء، وإلى هذا ذهب المزني.
قالوا: إنما أمر المطلق فى الحيض بالمراجعة؛ لأن طلاقه ذلك أخطأ فيه السنة أمر بمراجعتها ليخرجها من أسباب الخطأ، ثم يتركها حتى تطهر من تلك الحيضة، ثم يطلقها إن شاء طلاقًا صوابًا، ولم يروا للحيضة الثانية بعد ذلك معنى.
والمختار أن الانتظار إلى الطهر الثاني أولى، وللاحتياط فلا يوقع الطلاق في طهر يعقب الحيضة التي طلق فيها فيكون بمثابة طلقتين في قرء واحد والله أعلم.
هل يقع الطلاق في الحيض الشيخ ابن باز؟
ذهب الشيخ ابن باز إلى القول بأن الطلاق في الحيض أو طلاق الحائض لا يقع، وكان يختار رأي بعض العلماء منهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشوكاني، وهم لا يقبلون بهذا الطلاق، وبناء على هذا القول لا يقع هذا الطلاق البدعي ولا تعتد المرأة.
قال الشيخ ابن باز: الطلاق في الحيض فيه خلاف بين العلماء، أكثر العلماء يرون أنه يقع الطلاق في الحيض، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقع، إذا كان يعلم الزوج أنها في الحيض، إذا طلقها في الحيض فقد أثم ولا يقع إذا كان يعلم، أما إذا كان ما يعلم إلا بعد الطلاق منها فالطلاق يقع إذا كان لا يعلم.
هل يقع طلاق الحائض دار الإفتاء المصرية؟
اختار دار الإفتاء المصرية في مسألة طلاق الحائض رأي مذاهب الفقه الإربعة وهي أن الطلاق في الحيض لا يقع، وإليك نص الفتوى في موقعهم الرسمي:
الذي عليه العمل في الفتوى والقضاء أنه واقع مع الحرمة والإثم، وهذا هو الذي عليه الأئمة الأربعة المتبوعون وعلماء المسلمين سلفًا وخلفًا مِنْ أنَّ بِدْعِية الطلاق في الحيض لا تستلزم عدم وقوعه، وإنما هو واقع وصاحبه آثم شرعًا؛ لمخالفته لأمر الشرع، وقد وردت آيات الطلاق مطلقة غير مقيدة ولا يوجد من النصوص ما يقيدها؛ فوجب القول بوقوعه، وأما ما ورد من النهي عن الطلاق في وقت الحيض فقد كان الأمر خارجًا عن حقيقته وهو الإضرار بالزوجة بتطويل العدة عليها، غير أن الزوج يكون عاصيا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا أنكر على ابن عمر رضي الله عنهما الطلاقَ في زمن الحيض قال ابن عمر رضي الله عنهما: “أرأيت يا رسول الله لو طلقتُها ثلاثًا”؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذْن عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأتُك» رواه الدارقطني في “سننه”.
والقول بعدم وقوع الطلاق في الحيض يؤدي إلى جعل الطلاق في يد المرأة؛ إذ لا يُعلم حيضها وطهرها إلا من جهتها، فإذا طلق الرجل زوجته طلاقًا صريحًا طلقت الزوجة بمجرد إيقاعه سواء أكان وقوعه في حالة الطهر أو في حالة الحيض متى كان صادرًا من أهله؛ لأن وقوعه إزالة للعصمة وإسقاط للحق، فلا يتقيد بوقت معين.
حكم من طلق زوجته وهي حائض وهو لا يعلم؟
ذهب العلماء الذين يقولون أن طلاق الحائض لا يقع أمثال ابن باز ، إلى أنه إذا طلق زوجته وهي حائض ولا يعلم، فإن الطلاق يقع عليه؛ لأنه ما ابتدع، وما تعمَّد بدعةً.
أما إن كان يعلم فقد تعمَّد بدعةً، تعمَّد مُنكرًا فلا يقع، وإذا كان ما يعلم أو حكم به القاضي فإنه يقع، فأكثر القضاة يحكم بهذا، والأصح عند الأقل أنه لا يقع، والجمهور على أنه يقع؛ لأن ابن عمر أمضاه على نفسه.
هل يجوز رد المطلقة وهي حائض؟
إذا طلق الرجل زوجته في الحيض وجب عليه مراجعتها، رفعا للإثم، ما دامت الرجعة ممكنة، بأن كان الطلاق رجعيا، فإذا كان بائنا بينونة صغرى أو كبرى تعذر الرجوع واستقر، هذا في مذهب الحنفية والمالكية.
أما الشافعية فإنهم يرون مراجعتها في حالة الطلاق زمن الحيض وهو الطلاق البدعي سنة، ويذهب الحنابلة إلى استحباب المراجعة.
والحاصل يطلب من الرجل الذي طلق زوجته في الحيض أن يراجعها.
والدليل على ذلك أمر رسول الله ﷺ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما باسترجاع زوجته ما دام ذلك ممكنا، فإذا لم يكن ممكنا للبينونة امتنع الرجوع.
فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول: أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين، إن رسول الله ﷺ أمره أن يرجعها. ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها، وأما أنت طلقتها ثلاثا، فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك. أخرجه مسلم
3 حالات يجوز فيها الطلاق في الحيض
رغم اتفاق العلماء على حرمة طلاق المرأة في الحيض باعتباره أحد صور طلاق البدعة التي لا تجوز، إلا أن الفقهاء استثنوا بعض حالات يجوز فيها الطلاق في وقت الحيض وهنا بعض التفاصيل لهذه الحالات:
- حالة تخيير المرأة بين الطلاق والبقاء، وذلك لو رأي الرجل منها ما يكره من سوء الخلق أو المعاشرة مثلا فقال لها: اختاري لنفسك وهي حائض، أو لو اختارت لنفسها وهي في الحيض. وهذا لا يدخل في الطلاق البدعي المحرم رغم الطلاق وقع في وقت الحيض.
جاء في حاشية ابن عابدين: ولا بأس بأن يجعلها في الحيض إذا رأى منها ما يكره ولا بأس بأن يخيرها في الحيض ولا بأس بأن تختار نفسها في الحيض، ولو أدركت فاختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في الحيض[13].
- حالة الخلع، وذلك بأن طلقا على مال وهو المراد بالخلع، وإذا بذلت الزوجة الفدية على الطلاق، فقد جاز الأخذ في رأي الجمهور إذا كان النشوز من قبلها، وأجاز أخذ الفدية منها مطلقا غيرهم، وذلك في قوله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 230].
والخلع طلاق في رأي جمهور الفقهاء ولا يكره وقوعه في زمن الحيض ولا يكون بدعيا، لأن علة الكراهة دفع الضرر عنها بتطويل العدة، لأن الحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحسب من العدة، وبالاختيار والخلع قد رضيت بذلك[14].
- حالة حكم القاضي بالتفريق بين الزوجين للعلة، فإنه لا يكون بدعيا ولو كان في زمن الحيض، لما فيه من الضرورة[15].