يقول القرطبي في تفسيرقوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا الآية ما ملخصه: إن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربيّ، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة، وجاء في الشعر الفصيح “أعاريب” والنسبة إلى الأعراب أعرابي؛ لأنه لا واحد له، وليس الأعراب جمعًا للعرب، كما كان الأنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص، وكذلك المتعرِّبة.
والأعرابي إذا قيل له: يا عربي فرِح، والعربيّ إذا قيل له يا أعرابي غضب. والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب. وسميت العرب عربًا؛ لأن ولد إسماعيل نشأ من عربة وهي من تهامة فنُسبوا إليها، وأقامت قريش بعربة، وهي مكة، وانتشر سائر العرب في جزيرتها.
وقد وصفت الآية الأعراب بأن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر العرب ونفاقهم؛ لأنهم أبعد عن معرفة السنن، ولأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا.
ورتب القرطبي على ذلك أحكاما منها: أن شهادة أهل البادية على أهل الحضر تسقط ولا تُقبل، وأجازها أبو حنيفة، كما أجازها الشافعي إذا كان الأعرابي عدلا مرضيا، وهو الصحيح، ومنها أن إمامة البدوي لأهل الحَضَر ممنوعة، يعني لا يصح أن يكون البدوي إمامًا في الصلاة للمأمومين من أهل الحضر، لجهله بالسُّنّة، وقال مالك: لا يؤمُّ وإن كان أقرأَهم، وقال سفيان الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ـ الحنفية ـ الصلاة خلف الأعرابي جائزة، واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة.
يُعرف من هذا أن البيئة لها أثر على الإنسان في عقله وفي سلوكه، وأن الجامدين على بيئة واحدة يتأخر تطورهم وتغير أحوالهم، وأن الاختلاط بالبيئات الأخرى يؤثر على الفكر والسلوك ويساعد على التطور، وكلما كان التطور نحو الأفضل وهو هدى الله لعباده كان ممدوحًا.