القول الراجح الذي عليه جمهور الفقهاء أن المضحي لا يجوز له أن يبيع شيئا من أضحيته لا جلدها، ولا لحمها، ولا الأكسية التي كانت على ظهرها، بل إما أن يتصدق بهذه الأمور، أو أن ينتفع هو بها، كما لا يجوز أن يعطي شيئا من ذلك للجزار كأجرة مقابل الذبح، وأجاز بعض الفقهاء أن يعطيه من هذه الأمور إذا كان فقيرا يستحق، ومنع بعض الفقهاء إعطاء الجزار شيئا من الأضحية حتى لو كان على سبيل الصدقة أو الهدية مخافة أن يتسامح الجزار مع المضحي في الأجرة، فالإنسان أسير الإحسان.

وقد ذكر ابن تيمية الجد صاحب كتاب المنتقى بابا في كتاب المنتقى تحت عنوان: (الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها)وذكر تحته هذا الحديث:-

روى البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام قال { : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه- حمع بدنة وهي تطلق على البقر والإبل- وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجازر منها شيئا , وقال : نحن نعطيه من عندنا } . متفق عليه .

وقال العلامة الشوكاني تعقيبا على هذا الحديث:-

الأجلة: جمع جُلال وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه .و قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأن لا أعطي الجازر منها شيئا ) فيه دليل على أنه لا يعطي الجازر شيئا ألبتة وليس ذلك المراد بل المراد أنه لا يعطي لأجل الجزارة لا لغير ذلك ,
والحديث يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدي – أي والأضحية- الذي نحره على وجه الأجرة ، قال القرطبي : ولم يرخص في إعطاء الجازر منها لأجل أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير .

وقد روي عن ابن خزيمة والبغوي أنه يجوز إعطاؤه منها إذا كان فقيرا بعد توفير أجرته من غيرها : وقال غيرهما إن القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع،وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا تجوز الأجرة وذلك ; لأنها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لأجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية .

وقد استدل به على منع بيع الجلد والجلال , قال القرطبي : فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفهما على اللحم وإعطائهما حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود والجلال .
وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا : ويصرف ثمنه مصرف الأضحية .انتهى.

وقال الإمام النووي الشافعي في المجموع:-

يجوز أن ينتفع بجلد الأضحية بجميع وجوه الانتفاع بعينه فيتخذ منه خفا أو نعلا أو دلوا أو فروا أو سقاء أو غربالا أو نحو ذلك , وله أن يعيره , وليس له أن يؤجره .
و إذا أعطى المضحي الجازر شيئا من لحم الأضحية أو جلدها , فإن أعطاه لجزارته لم يجز , وإن أعطاه أجرته ثم أعطاه اللحم لكونه فقيرا جاز , كما يدفع إلى غيره من الفقراء .انتهى.

وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في المغني:-

لا يجوز بيع شيء من الأضحية , لا لحمها ولا جلدها , واجبة كانت أو تطوعا لأنها تعينت بالذبح . قال أحمد : لا يبيعها , ولا يبيع شيئا منها . وقال : سبحان الله كيف يبيعها , وقد جعلها لله تبارك وتعالى , وقال الميموني أحد تلامذة الإمام أحمد : قالوا لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: فجلد الأضحية يعطاه السلاخ ؟ قال : لا . وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يعطى الجازر في جزارتها شيئا منها . ثم قال إسناده جيد . وبهذا قال أبو هريرة . وهو مذهب الشافعي .
ورخص الحسن , والنخعي في الجلد أن يبيعه ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت . وروي نحو هذا عن الأوزاعي ; لأنه ينتفع به هو وغيره , فجرى مجرى تفريق اللحم .

وقال أبو حنيفة : يبيع ما شاء منها , ويتصدق بثمنه . وروي عن ابن عمر , أنه يبيع الجلد , ويتصدق بثمنه . وحكاه ابن المنذر عن أحمد , وإسحاق .

والراجح أنه لا يجوز لأحد أن يبيع شيئا من ذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقسم جلودها وجلالها , ونهيه أن يعطى الجزار شيئا منها . ولأنه جعله لله – تعالى , فلم يجز بيعه , كالوقف , وما ذكروه في شراء آلة البيت , يبطل باللحم , لا يجوز بيعه بآلة البيت وإن كان ينتفع به , فأما جواز الانتفاع بجلودها وجلالها , فلا خلاف فيه ; لأنه جزء منها , فجاز للمضحي الانتفاع به , كاللحم , وكان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما , ويصليان عليه.