للكراهية بين الزوجين أسباب كثيرة منها سوء الاختيار، وسوء المعاشرة، وعدم الإنفاق، وعدم الاعتدال في الغيرة، وانعدام المشاعر بين الزوجين، وتسبب هذه الأمور وغيرها كثيرا من الآثار الضارة على البيت والأسرة والمجتمع، ولم يترك الإسلام هذا الأمر يستشري في المجتمع بل وضع له العلاج الذي يضمن استقامة البيت، وصلاح الأسرة والمجتمع.

الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة لزوجها:

يقول الأستاذ الدكتور مصطفى محمد عرجاوي أستاذ الفقه والسياسة الشرعية: الكراهية تعني البغض القلبي، والنفور الذاتي، ويمكن أن نبين أسبابها، ووضع العلاج لها، وأسباب الكراهية قد تكون ظاهرة، وقد تكون باطنة ويمكن إجمال الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها في نقاط معينة، أهمها ما يلي:

1- عدم المعاشرة بالمعروف؛ أي بتوجيه أي نوع من الأذى إلى الزوجة بالقول أو بالفعل أو حتى مجرد التهديد بالعقاب أو بالطلاق أو بالتجسس عليها بلا دواعٍ لذلك.

2- عدم الإنفاق عليها بصورة ملموسة يؤدي إلى حرمان الزوجة ربما من الضرورات؛ بسبب بخل الزوج عليها أو على أبنائه، بالرغم من سعة يده وظهور غناه وقدرته على الإنفاق المعتدل بلا إفراط أو تفريط، وهذا البخل والتقتير يُعتبر من أهم وأبرز الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها.

3- عدم الاعتدال في الغيرة؛ لأنها إذا اندلعت شرارتها فقد تحرق البيت، ولكن عندما تمارس باعتدال فإنها تدخل السرور إلى المنزل، لكنها تعني حفظ المرأة وصيانتها والحرص على كل ما يصون عرضها؛ تعبيرا عن الحب الصادق والغيرة المحمودة.

4- عدم كتمان الأسرار الزوجية، وبخاصة ما يتم بينهما في علاقتهما الحميمة؛ وذلك لقول رسول الله : “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها”، وقال  عن هؤلاء الذين يفعلون ذلك ما روته أسماء بنت يزيد عنه عليه الصلاة والسلام: “…فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون”، وكفى بهذا تنفيرا، وأي تنفير!!

5- وقوع الخيانة الزوجية؛ لأنه لا شيء يجرح المرأة بل يطعنها في مقتل سوى إحساسها بتعلق زوجها بامرأة غيرها، ويتسع جرحها ويشتعل قلبها وتنسحق مشاعرها إذا تأكدت من خيانة زوجها، وقد تسارع إلى إنهاء علاقة الزوجية؛ فلا يمكنها زوجها من مرادها؛ فتزداد كراهيتها له، وربما بلغت حدا يمكن أن يتصور معه وقوع ما لا تحمد عقباه بسبب الكراهية المقيتة.

6- هجر فراش الزوجية بلا سبب مشروع؛ لأن هجر الزوج لزوجته لا يعني بالنسبة لها سوى الكراهية المجسدة والبغض الشديد، وبخاصة عندما يكون بلا حاجة أو ضرورة، ومن غير سبب ظاهر يعود إليها.

الأسباب غير الظاهرة لكراهية المرأة لزوجها:

أهم الأسباب غير الظاهرة لكراهية المرأة زوجها تتمثل فيما يلي: 1– غياب أو تغييب مشاعر الحب؛ لأن عدم الشعور بالحب المتبادل بين الزوجين يجعل العلاقة بينهما مجرد مساكنة أو زواج مصلحة بارد لا حياة فيه ولا دفء.

2- افتقاد الشعور بالأمن أو الطمأنينة بسبب توقعها لغدر الزوج بها؛ كونه يهددها تصريحيا أو تلميحيا بالزواج من أخرى؛ لمجرد وقوع خلاف بسيط في وجهات النظر.

3- الامتناع عن إعفاف الزوجة بسبب الإهمال لها أو العجز عن إشباعها لأمر ظاهر أو خفي، واستحياء الزوجة عن الإفصاح عن رغبتها المضطرمة، وشوقها الشديد للمعاشرة.

4- انعدام التوافق النفسي.. يقول ابن حزم في هذا الشأن: ترى الشخصين يتباغضان لا لمعنى ولا لعلة، ويستثقل بعضهما بعضا بلا سبب؛ فالنفور وعدم التوافق النفسي وانقطاع التواصل الروحاني بين الزوجين يعتبر من أدق وأخفى الأسباب، ولعل سببه يرجع لقول رسول الله : “الأرواح جنود مجندة.. فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف”، وهذا لا يعني انتشار التباغض بينهما؛ فلربما يحب أحدهما الآخر والآخر يبغضه.. وبالعكس؛ فالحب من طرف واحد أمر واقع ومشاهد ولا ينكره إلا مكابر، وعدم التوافق النفسي هو معول هدم الأسرة إذا لم يتداركه الحرص من الزوجين على الاستمرار لاعتبارات أخرى.

5- انعدام المصارحة وتأخر المصالحة عند وقوع الشقاق أو ظهور أسبابه، وذلك قبل أن يستفحل خطره، ويهدد كيان الأسرة؛ فالكتمان للآلام المجهولة المصدر، وعدم مسارعة الزوج لاسترضاء زوجته عقب استغضابها مباشرة أو بفترة وجيزة، يغرس في نفسها بذور البغض، ويبعث في قلبها نبضات الكراهية.. لاستشعارها الإهانة من زوجها، ولتأخره في جبر ما صدعته هذه الإهانة التي قد لا تغتفر إذا تأخرت المصارحة أو تعثرت المصالحة بسبب التكبر أو العناد أو التقاعس غير المبرر.

آثار الكراهية بين الزوجين:

إذا استشرت روح الكراهية في الأسرة، واندلعت نيرانها الخفية في جنباتها.. فإنها ستلحق الضرر بالزوجة ذاتها، فضلا عن الزوج والأبناء، ومن ثم المجتمع؛ لأن الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع؛ فالكراهية لا يتولد عنها سوى المزيد من النفور؛ ولذلك يدعونا الإسلام إلى بذل المحبة حتى لمن يعادينا من إخواننا أو أخواتنا في الدين والإنسانية..

قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت ( 34)؛ لأن الآثار المدمرة للكراهية قد تدفع بالزوجة إلى التخلص من زوجها غدرا أو العكس.. بل قد تدفع بأحد الزوجين إلى التخلص من ثمار هذه الزوجية بالقتل أو الاضطهاد لفلذات الأكباد من البنين والبنات بلا ذنب ارتكبوه، ولكن ربما يحدث هذا بسبب الكراهية المنغرسة في قلب الزوجة لسبب ظاهر أو خفي، والمجتمع في النهاية هو الذي يتحمل نتائج هذه الكراهية بفقده لبنة من لبناته، وهنا تحدث المعاناة من الاضمحلال والتفكك للروابط الاجتماعية بسبب تداعيات هذه الكراهية؛ لأن الأم مدرسة من يحسن إعدادها يحصد أمة طيبة الأعراق قوية متماسكة مترابطة متراحمة، وتلكم أخطر الآثار الناجمة عن كراهية المرأة زوجها.

علاج كره الزوجة لزوجها:

لا داء بلا دواء، لكن قد يعرفه من يعرفه، وقد يجهله من يجهله؛ فالبحث عن الدواء لمعالجة الداء بعد الفحص والتشخيص أمر لا مناص منه، وداء الأبدان قد يكون من اليسير علاجه، لكن داء النفوس وما ينطمر فيها من كراهية عميقة أو بغضاء شديدة قد تعجز عنه أنجع الأدوية وأكثرها فاعلية في ظلال الحياة الطبيعية أو السوية؛ لأن الكراهية سرطان خبيث و”إيدز” العصر الحديث الذي قد يقاوم الدواء، ويعمل على استشراء واستفحال البلاء بانتشار الداء في النفس البشرية الضعيفة لتعاني منه ومن ويلات ربما حتى الممات.

لكن خالق النفس البشرية الذي سواها -جل في علاه- يعلم ما ينضوي في نفوس مخلوقاته مصداقا لقوله تعالى (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14).. بلى يعلم علما تاما شاملا؛ لذلك شرع الدواء الناجع لتلكم الكراهية التي تهدد كيان الأسرة، وتنال من نفس وبدن الزوجة بلا ذنب أحيانا ولا جريرة.

ويتمثل العلاج الإسلامي لداء كراهية المرأة زوجها فيما يلي:
أ- توافر أسباب الوقاية من سرطان الكراهية قبل الزواج
:
الكراهية لا تتولد في لحظة واحدة.. بل تتولد عندما تتوافر بواعثها أو أسبابها الظاهرة أو الخفية، والإسلام يحض على مراعاة مشاعر المرأة عند خطبتها؛ فيدعو إلى الأخذ برأيها، والاستجابة لرغبتها المشروعة، ولا أدل على ذلك مما ورد عن رسول الله  أنه جاءته  فتاة، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع به خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء، ولا بد من مراعاة الكفاءة –في الأصل– يقول الزيلعي: “النكاح يعتد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج، الصحبة، الألفة وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء.

ومن مزايا الخطبة أنها تمكن الخاطب من النظر إلى من يرغب في الارتباط بها، وتمكنها هي أيضا من النظر إليه؛ حتى يطمئن قلبها، ويشعر بالألفة والمحبة تجاه من يخطبها بالقدر الذي يشعر به هو أيضا؛ فلا يكفي الاعتداد بمشاعر خاطب على حساب مخطوبة، بل يعتد برغبتيهما معا؛ فقد ورد عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال له النبي : “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”، أي يؤلف بين قلوبكما، ويجمع شملكما على المودة والرحمة.

والأحاديث كثيرة في هذا الشأن، كلها تدعو إلى النظر إلى كل ما يدعو إلى الارتباط، وإشباع نهم الرغبة بعد الزواج؛ لأن من أهم أهداف النكاح إعفاف الزوجين، ولا يتحقق ذلك بصورة مثلى –غالبا- إلا عن قناعة وطيب نفس ومحبة، أو توافق وقبول من الطرفين، وهذه البداية هي أنجح السبل للوقاية من نيران الكراهية التي قد تحتدم بعد الزواج والوقاية خير من العلاج.

ب- توافر أسباب النجاح للعلاقة بعد الزواج:
القلب يتقلب بين الحب والبغض والمودة والنفور، والنفس يعتريها الرضا والسخط، وهي عرضة للسلوان والنسيان بمرور الزمان لأخطر ما قد يحيق أو ينزل بها من أحداث جسام غالبا.. تلكم هي الطبيعة البشرية.

ومن هنا جاء العلاج والدواء الإسلامي لاجتثاث جذور الكراهية، وتحصين علاقة الزوجية من براثن داء الكراهية الذي قد يستشري لأسباب واهية من خلال المنهج الإسلامي المتمثل فيما يلي:
1-  الدعوة إلى الصبر أو التصبر، وينبغي للزوجة أن تتعلم كيف تحب زوجها؛ فإن العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والحب يتحقق ببذل المزيد من الحب لكي يحدث التجاوب بين الطرفين..

قال رسول الله : “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر”.. فالحديث يحض على عدم التباغض بين الزوج وزوجته؛ لأن لكل واحد منهما من الصفات أو الخصال ما يشتمل على الحميد والذميم، والكمال لله وحده جل في علاه..

فلتنظر المرأة للصفات الحميدة في زوجها، ولتصبر صبرا جميلا حتى يتحقق لها الخير بفضل التمسك بتلابيب هذا الصبر الجميل.

2- علاج نشوز الزوجة بالسبل الشرعية بلا إفراط أو تفريط؛ وذلك لحسم ووأد مادة الكراهية في مهدها؛ فلا تتمكن من قلب الزوجة، ولا تجد السماحة والرضا، وهذا الحل حاسم مصداقا لقوله {إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: 35).

3- توافر أسباب إنهاء العلاقة الزوجية بصورة سلمية عند استحكام النفور؛ فلا يمكن إجبار زوجة على الاستمرار مع زوج تبغضه، أو لا تطيق العيش معه، وذلك بعد استنفاد جميع أدوية وسبل تلاقي إنهاء الرباط المقدس الذي يجمعهما، وبخاصة ما نص عليه الشارع الحكيم جل وعلا، عندئذ لا مناص من اللجوء إلى الحلول والأدوية الإسلامية للتخلص من داء الكراهية بصورة سوية، وبغير تداعيات سلبية شديدة أو غليظة على الأسرة؛ فشرع الإسلام نقض عرى الزوجية المتهالكة بإحدى الوسائل التالية:

أ- إعطاء الزوجة الحق في طلب الطلاق بصورة ودية من زوجها إذا ما توافرت أسبابه.

ب- إعطاء الحق في طلب الخلع؛ وذلك برد ما أخذته من مهر، أو بحسب الاتفاق.

ج- إعطاء الزوجة الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر أو للكراهية إذا كانت أسبابها ظاهرة، أو تتمثل في جرم وقع على الزوجة؛ فيمكنها إثباته للتخلص من هذه الزيجة.

وعلى كل من الزوجين أن يتجنب مداخل الشيطان من كره كل واحد منهما للآخر لأسباب قد يكون التغلب عليها سهلا، ويبتعدون عن التفكير بالطلاق، بل يكون تفكير كل واحد منهما كيف يستطيع حل المشاكل وعودة الحياة إلى طبيعتها، قال تعالى : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ).