قصر الصلاة رخصة مشروعة من الله تعالى لدفع المشقة والحرج الذي قد يتعرض له المسافر غالباً، والتيسير عليه في حقوق الله تعالى، والترغيب في أداء الفرائض، وعدم التنفير من القيام بالواجب، فلا يبقى لمقصر أو مهمل حجة أوذريعة في ترك فرض الصلاة، وهي سنة في أكثر أقوال العلماء، وللمسافر أن يختار القطر أو الإتمام، والقصر أفضل اقتداءً بالرسول ﷺ. فما هي صلاة المسافر ومدة القصر؟
ما هي صلاة المسافر ومدة القصر؟
يراد من صلاة المسافر ما يشرع للمسافر من قصر الصلاة الرباعية إذا كان سفره أكثر من (85) كيلومترا، أما جمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء فراجع للحاجة، فإن احتاج إلى الجمع جمع، وإلا فإن الأفضل أداء كل صلاة في وقتها.
ويبدأ المسافر في أحكام السفر من القصر والجمع والفطر والمسح إذا فارق عامر قريته، ولا حد للمسافة في السفر، وإنما يرجع ذلك إلى العرف، فما عده الناس سفراً تعلقت به أحكام السفر، فمتى سافر الإنسان ولم ينو الإقامة المطلقة أو الاستيطان فهو مسافر تنطبق عليه أحكام السفر حتى يعود إلى بلده.
أما مدة القصر فإنه يجوز للمسافر أن يستمر في قصر الصلاة إلا إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر فيلزمه الإتمام ، كما يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وكذلك المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً.
واتفق الأئمة الأربعة على أنّ المسافر إِذا أقام لحاجةٍ ينتظر قضاءَها يقول: اليوم أخرج؛ فإِنّه يقصر أبداً إلَاّ الشافعي في أحد قوليه فإِنّه يقصر عنده إِلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها.
حكم القصر في السفر
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ
إن الإسلام دين يسر وسهولة ومن مقاصد الشرع الحنيف دفع الحرج ورفع المشقة عن المكلفين ولا شك أن السفر فيه نوع من الحرج والمشقة فشرع الإسلام قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين وتوضيح ذلك فيما يلي :
القصر مشروع شرعه الله في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله ﷺ يقول الله تعالى :( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) النساء:101، ويلاحظ في الآية الكريمة أن القصر علق على الخوف من فتنة الذين كفروا ولكن هذا التعليق جاء لبيان الواقع حيث إن أغلب أسفار النبي ﷺ في ذلك الوقت كان فيها خوف فيجوز القصر أيضاً حالة الأمن .
ويدل على ذلك حديث علي بن أمية قال :[ قلت لعمر بن الخطاب :( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقد أمن الناس قال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فقال : ( صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته ) رواه مسلم وأصحاب السنن .
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال :( صحبت النبي ﷺ فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ) رواه البخاري ومسلم .
والقصر رخصة أو سنة عند أكثر العلماء فيجوز للمسافر أن يقصر ويجوز له أن يتم والقصر أفضل إقتداءً بالرسول ﷺ الذي يقول :( إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره ان تؤتى معصيته ) رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة وصححاه .
هل يجوز الجمع والقصر في السفر لمدة اسبوعين؟
الأصل جواز الجمع بين صلاة الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، والقصر في الرباعية منها، إذا احتاج إلى الجمع، مثل أن يكون مستمراً في سيره، والأفضل حينئذ أن يفعل ما هو الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير.
أما إذا كان غير محتاج إلى الجمع فإنه لا يجمع، مثاله أن يكون نازلاً في محل لا يريد أن يرتحل منه إلا بعد دخول وقت الصلاة الثانية، فهذا لا يجمع بل يصلي كل فرض في وقته؛ لأنه لا حاجة به إلى الجمع.
وبناء على ما سبق فإن الجمع والقصر في السفر لمدة أسبوعين للمسافر جائز ما لم ينو الإقامة في البلد الذي قصده، وأما إذا نوى الإقامة فلا يجوز له أن يستمر في الجمع والقصر.
مدة قصر الصلاة في السفر عند المالكية
في مذهب المالكية: يظل للمسافر حق القصر ما لم ينو الإقامة في بلد مدة معينة ، وإذا نوى إقامة أربعة أيام بموضع، أتم صلاته؛ لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض، والمقيم والعازم على الإقامة غير ضارب في الأرض، والسنة بينت أن ما دون الأربع لا يقطع السفر، ففي الصحيحين: «يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً» وأقام النبي ﷺ بمكة في عمرته ثلاثاً يقصر.
وقدر المالكية المدة المذكورة بعشرين صلاة في مدة الإقامة، فإذا نقصت عن ذلك قصر.
ننقل عبارة السادة المالكية من كتاب “الفواكه الدواني”: وإن نوى المسافر في أثناء سفره إقامة أربعة أيام صحاح بلياليها بموضع ليس وطنا له أتم صلاته، وأما الوطن فيجب الإتمام بدخوله ولا يتوقف على نية إقامة، ومثله المحل المعتاد لإقامة أربعة أيام به فأكثر كمكة للحاج فإنه يجب الإتمام بمجرد دخولها. وكذا إن نوى إقامة ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة .. حتى يرتحل من مكانه ذلك.
مدة قصر الصلاة للمسافر عند الشافعية
مدة القصر للمسافر في مذهب الشافعية لا تختلف عما كان عليه السادة المالكية، فإن المسافر يحق له قصر الصلاة ما لم ينو الإقامة، في ثلاثة أيام الأولى فإذا دخل اليوم الرابع أتم.
قال الشيرازوي في “المهذب”: وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيماً وانقطعت عنه رخص السفر لأن بالثلاثة لا يصير مقيماً لأن المهاجرين حرم عليهم الإقامة بمكة ثم رخص لهم النبي ﷺ أن يقيموا ثلاثة أيام فقال: يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً وأجلى عمر رضي الله عنه اليهود من الحجاز ثم أذن لمن قدم منهم تاجراً أن يقيم ثلاثاً وأما اليوم الذي يدخل فيه ويخرج فلا يحتسب به لأنه مسافر فيه فإقامته في بعضه لا تمنعه من كونه مسافراً لأنه ما من مسافر إلا ويقيم بعض اليوم ولأن مشقة السفر لا تزول إلا بإقامة يوم.
متى تقصر وتجمع الصلاة في السفر؟
يجوز الجمع مطلقًا في السفر في قول أكثر أهل العلم في وقت إحدى الصلاتين: الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، وعليه كثير من أصحاب النبي ﷺ.
متى ينتهي قصر الصلاة للمسافر؟
ينتهي قصر الصلاة للمسافر بأحد هذه الامور:
1 – أن ينوي المسافر الإقامة مدة معينة:
لما روي عن أبي هريرة أنه “صلى مع النبي ﷺ إلى مكة في المسير والمُقام بمكة إلى أن رجعوا ركعتين”،وبما أنه لم يحدد النص مدة الإقامة فقد اختلف الفقهاء في تقدير المدة:
فقال الحنفية: يمتنع القصر بنية الإقامة ولو في الصلاة ما لم يخرج وقتها ولم يكن لاحقاً مدة نصف ظهر (15 يوماً) كاملة فأكثر.
وقال المالكية والشافعية: يمتنع القصر بنية الإقامة أربعة أيام صحاح غير يومي الدخول والخروج، تستلزم عشرين صلاة، وإلا فلا.
وقال الحنابلة: يمتنع القصر لو نوى المسافر إقامة مطلقة بأن لم يحدها بزمن معين، ولو في مكان غير صالح للإقامة كبادية ودار حرب، أو نوى إقامة أكثر من عشرين صلاة، أو أكثر من أربعة أيام مع يومي الدخول والخروج، وأتم صلاته.
2- العودة إلى محل الإقامة الدائمة، أو نية العودة: والمقصود بذلك وطن الأصل الذي نشأ فيه أو أو محل زوجته المدخول بها.
3- زاد الشافعية: ينقطع قصر الصلاة باقتداء المسافر بالمقيم أو بمشكوك السفر، وبعدم قصد جهة معينة، وبعدم الاستقلال بالرأي دون مسافة القصر، وبسفر المعصية، وبانقطاع السفر أثناء الصلاة، وبعدم نية القصر أثناء الإحرام.
4- وزاد الحنابلة على ما تقدم من المذاهب: ينقطع قصر الصلاة للمسافر بأمور منها:
- إن أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، ففسدت وأعادها: كمن يقتدي بمقيم فيحدث في أثناء الصلاة، فيلزمه إعادتها تامة؛ لأنها وجبت عليه أولاً تامة، فلا يجوز أن تعاد مقصورة.
- إن لم ينو القصر عند دخوله الصلاة أي عند إحرامه، فيلزمه أن يتم؛ لأنه الأصل، وإطلاق النية ينصرف إليه.
- إن شك في الصلاة: هل نوى القصر أم لا، ولو تذكر بعدئذ في أثناء الصلاة، لزمه أن يتم، لوجود ما أوجب الإتمام في بعضها، فغلب؛ لأنه الأصل.
- إن تعمد ترك صلاة أو بعضها في سفر، بأن أخرها بلا عذر، حتى خرج وقتها، فيلزمه أن يتم، قياساً على السفر المحرَّم، لأنه صار عاصياً بتأخيرها متعمداً من غير عذر.
- العزم على قلب السفر لمعصية كقطع الطريق، ونية الرجوع في مكان بينه وبين موطنه دون مسافة القصر.
- إن تاب في الصلاة من سفر المعصية، لزمه أن يتم، وكذلك يتم إن قصر معتقداً تحريم القصر، ولو أنه مخطئ في اعتقاده.
- إن نوى المسافر في الصلاة الإتمام، بعد أن نوى القصر، أتم وجوباً؛ لأنه رجع إلى الأصل.
- إن نوى إقامة مطلقة: بأن لم يحدها بزمن، في بلد، ولو في دار حرب، أو في بادية لا يقام فيها، لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة.
- إن شك في نيته: هل نوى إقامة ما يمنع القصر أم لا، أتم؛ لأن الإتمام هو الأصل، فلا ينتقل عنه مع الشك في مبيح الرخصة.