لا تقبل شهادة الفاسق ،فإن تاب إلى الله توبة نصوحًا،زال عنه الفسق ،وقبلت شهادته بعد ذلك ،وهذا هو رأي الجمهور ،أما أبو حنيفة فإنه يرى أن الفاسق إذا تاب زال عنه الفسق ،ولكن لا تقبل شهادته أبدًا.

هل تقبل شهادة من قذف مسلم بالزنا

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
مَن قذف أخاه بالزنا ولم يأتِ بأربعة شهداء وجب على الحاكم أن يُقيمَ عليه الحد إذا رفع المقذوفُ أمرَه إليه. فإذا أقيم عليه الحد لا تُقبَل شهادته أبدًا ووُصِفَ بالفسق، فإن تاب زال عنه وَصْف الفسق فقط، وظل غيرَ مَرْضيٍّ في الشهادة، وهذا ما يراه أبو حنيفة ومَن نحا نحوَه من الفقهاء.
ويرى المالكية والشافعية أن القاذف إذا تاب توبة نصوحًا زال عنه وصف الفسق الذي تُرَدُّ به الشهادة، ورُدَّ إليه اعتباره وقُبِلَت شهادته فيما يَشْهَد به.

وقد اختلف الذين جوَّزوا قبولَ شهادة القاذف إنْ صَحَّت توبته في كيفية هذه التوبة.

-فقال جماعة منهم: توبته أن يُكَذِّبَ نفسَه في قَذْفه. واستدلوا على ذلك بما ورد عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقد قال لمن شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا: مَن أكْذَبَ نفسَه أجَزْتُ شهادتَه فيما يُستقبَل، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادته. فأكذَبَ الشبلُ بن مَعبِد ونافعُ بن الحارث بن كلدة أنفسَهما وتابا، وأبَى أبو بكرة أن يفعل، فكان لا تُقبَل شهادتُه.
-وقال آخرون: توبته أن يُصْلِحَ من حال نفسه، ويكف عن سب الناس والخَوْض في أعراضهم، ويبادر إلى الطاعات، وإن لم يُكَذِّبْ نفسَه في القذف الذي جُلِدَ به ثمانين جَلْدة، وحَسْبُه الندم عليه، والاستغفار منه، وترك العودة إليه (انظر كتابي “الفقه الواضح” 2/ 238).
وخلاف الفقهاء في قول شهادة القاذف يرجع إلى مفهوم الاستثناء في قوله تعالى من سورة النور: (والذينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثم لَمْ يَأْتُوا بأربعةِ شُهَداءَ فاجْلِدُوهم ثمانينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلُوا لهم شهادةً أبدًا وأولئكَ هم الفاسقونَ. إلا الذينَ تابوا مِن بَعْدِ ذلك وأَصْلَحُوا فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيم) (آية: 4 ـ 5) هل الاستثناء في الآية راجع إلى الأمرين معًا: أي عدم قَبول الشهادة والحكم بالفسق؟ أم هو راجع إلى الأمر الأخير وهو الحكم بالفسق؟
-فمن قال: إن الاستثناء راجع إلى الأمرين معًا. قال بجواز قَبول الشهادة بعد التوبة.
-ومن قال: إنه راجع إلى الحكم بالفسق. قال بعدم قبولها مهما كانت توبته.

العلامة التي تعرف بها توبة القاذف

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل: العَلامة التي يُعرَف بها توبةُ القاذف، فإنك تستطيع أن تَعرِف صدقَه في توبته من خلال أعماله الصالحة، وكَفِّ لسانه عن القيل والقال، والبعد عن مواطن الزَّلَل. وقد ضرب بعض الفقهاء لاختبار صدقه في التوبة مدة لا تقل عن سنة، ولكن لا دليل لهم على هذه المدة فيما أعلم، بل العلم بذلك متوقف على تلك الأمور التي ذكرتُها، ويكفي أن نتتبع سَيْرَه وسلوكَه عن كَثْب، وعندئذٍ يتبين لنا أمره إن شاء الله.