الدعاء بعد الصلاة جائز شرعا ، فقد ورد عن النبي أنه كان يدعو قبل السلام وبعد السلام ، ولكن رفع اليدين بالدعاء اختلف فيه الفقهاء ، فمنهم من رآه بدعة ، ومنهم من جوزه ، ولعل هذا من فقه التنوع الذي يجوز فيه الأمران .
ولا فرق في الدعاء بعد الصلاة بين الفريضة والنافلة .

وممن منع رفع اليدين في الدعاء الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، يقول :
لم يحفظ عن النبي ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء بعد صلاة الفريضة وبذلك يعلم أنه بدعة لقول النبي : “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” خرجه مسلم في صحيحه . وقوله : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته .

أما الدعاء بدون رفع اليدين وبدون استعماله جماعيا فلا حرج فيه لأنه قد ثبت عن النبي ما يدل على أنه دعا قبل السلام وبعده وهكذا الدعاء بعد النافلة لعدم ما يدل على منعه، ولو مع رفع اليدين لأن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة لكن لا يكون بصفة دائمة بل في بعض الأحيان لأنه لم يحفظ عن النبي أنه كان يدعو رافعا يديه بعد كل نافلة والخير كله في التأسي به والسير على نهجه لقوله سبحانه : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .انتهى

وممن أجاز رفع اليدين في الدعاء الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى – يقول :

قال العلماء بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء بل بالندب اقتداء بالنبى غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين فى غير الاستسقاء ، لحديث أنس “كان النبي لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا فى الاستسقاء ،فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ” .‏ رواه البخارى ومسلم .‏
والقائلون بالجواز فى غير الاستسقاء ردوا على هؤلاء بأن كون أنس نفى الرؤية عنه لا يستلزم نفى رؤية غيره ، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ، والمثبت مقدم على النافى .‏
أو يحمل حديث أنس على الرفع البليغ الذى يرى فيه بياض الإبطين وهو لا ينافى الرفع بغير ذلك ، كمجرد مد اليدين وبسطهما عند الدعاء .‏
والبعض كره رفع اليدين مطلقًا فى الاستسقاء وغيره ، لحديث مسلم عن عمارة بن رويبة ، وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه ، فقال :‏
قبح اللَّه هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول اللّه ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة “تفسير القرطبى ج ‏7 ص ‏255 ” ويرد عليهم بما رد على غيره .‏
يقول القرطبى :‏ والدعاء حسن كيفما تيسر،وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه عز وجل والتذلل له أو الخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن وإن شاء فلا، فقد فعل ذلك النبى حسبما ورد فى الأحاديث وقد قال تعالى{‏ادعو ربكم تضرعًا وخفية}‏[ الأعراف :‏‏55]، ولم ترد صفة من رفع يدين وغيرهما ، وقال تعالى{‏الذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا}‏ [آل عمران :‏ ‏191]، فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبى فى خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة .‏
وكذلك روى عن ابن عمر أن النبى رفع يديه وقال ” اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد” وفى صحيح مسلم عن عمر:‏ رفع النبى(‏ )‏ يديه بالدعاء يوم بدر .‏
وعلى القول بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء رويت عدة حالات فى كيفية الرفع ، منها جعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلى وجهه .‏
وروى عكس ذلك .‏
ومنها جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض ، وروى عكس ذلك وكان ذلك فى الاستسقاء كما رواه مسلم “نيل الأوطار ج ‏4 ص ‏9 ” .‏

قال ابن حجر فى الفتح :‏قال العلماء :‏ السنة فى كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلاً ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء .‏
وكذلك قال النووى فى شرح صحيح مسلم ، حاكيًا لذلك عن جماعة من العلماء .‏
وقيل :‏ الحكمة فى الإشارة بظهر الكفين فى الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل فى تحويل الرداء .‏
هذا ، ويكره عند الدعاء النظر إلى السماء ، لحديث مسلم وغيره أن النبى قال “لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء ، أو ليخطفن اللَّه أبصارهم ” .‏
وقد يحمل النهى على رفع البصر فى الصلاة، أما فى غيرها فلا مانع ، لرواية للبخارى جاء فيها :‏ فنظر إلى السماء، وكان ذلك فى الاستسقاء ” نيل الأوطار ج ‏4 ص ‏10 “