فرق العلماء بين الإجماع في الأمور القطعية ،والمعلومة من الدين بالضرورة، وبين غيرها ، فمنكر الأولى كافر ، ومنكر الثانية غير كافر على الراجح.

ما هو الإجماع في الإسلام

يقول الأستاذ الدكتور علي جمعة أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر:
-اتفق المسلمون على وقوع الإجماع ، وعلم المجتهدين به ، وصحة نقله للأمة في مساحة ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، ويسيمه الشافعي: إجماع العامة ، وذلك كإجماعهم على وجوب الصلاة والزكاة والحج وصيام رمضان {وليس شوالاً ولا محرماً مثلاً} ، وأن الوضوء شرط للصلاة ، وأنه قبلها {وليس بعدها كما يمكن أن يوصل إليه التحليل اللغوي للآية}.، وأن البيع حلال ، والزواج حلال ، وأن هناك أحكاماً للإيلاء ، والظهار ، والطلاق ، والقصاص ، والحدود ، وغير ذلك من مستويات الإجماع ، حتى يصل إلى أن الطواف إنما هو بجبل البيت عن يسار الطائف ، وأن البدء يكون بالصفا ، وأن النبي – – مدفون في المدينة ، وأن القبلة هي الكعبة ، وأن السرقة والزنا والربا والقتل العدوان والخمر والخِنزير والميتة حرام .
-إلى غير ذلك من كل أمر يكفر جاحده ، أو المتردد في ثبوته ، حتى لو كان مستند الإجماع ظنياً في ثبوته أو في دلالته فإن الإجماع لا ينفي ظنيّه ثبوت الدليل ، ويصبح الدليل بعده قطعياً ، ولا يمكن العذر في ذلك إلا لمَن كان حديث عهد بإسلام ، أو نشأ في شاهقة جبل بعيداً عن المسلمين ، وعلى الجملة فإنه يكفر إذا أصر على الإنكار بعد تعليمه وتبليغه بصورة لافتة لنظره مزيلة لشبهته .
-أما إجماع الخاصة – وهم المجتهدون – فقد وقع النزاع في إمكانه ، ثم في صحته ، ثم نوعه المقبول ، إجماع الصحابة أو إجماع أهل البيت أو إجماع المصريين أو الحرمين ، إلى غير ذلك ، وهذا الإجماع نقول بحجته ، وأنه واقع ومنقول ، وله أحكامه ، لكن يكثر النزاع في دعواه ؛ حتى قال الإمام أحمد: (مَن ادعى الإجماع فقد كذب)! ، وعلى ذلك فهو متردد بين الثابت والمتغير تبعاً للناظر فيه ، فإن صدق بأنه إجماع جعله من الثابت ، وإن أنكر جعله من المتغير. أ.هـ

ما هو حكم منكر الإجماع

يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم:
-الإجماع من الأدلة التشريعية المعتبرة ، ولا يجوز إنكار الإجماع جملة ، غير أنه لابد من معرفة المسائل التي حدث فيها إجماع ،لأن هناك مسائل كثيرة ادعي فيها الإجماع، ولم يكن فيها .
-وللحكم على منكر الإجماع لابد من التفريق بين ما أجمعت الأمة عليه ، وكان أصله الكتاب والسنة ،وأصبحت أحكامه قطعية ، فهذا يكفر منكره ، لأن في إنكاره إنكارا للمعلوم من الدين بالضرورة ، أما ما كان اجتهادا خالصا ، فلا يمكن الحكم عليه بالكفر ، لأن الإجماع في غير القطعيات،- أو ما يمكن أن يطلق عليه الإجماع الاجتهادي – جهد بشري مقدر وله شأنه ، ولكن لا يمكن الحكم على منكره بالكفر، ولئن كان إنكار أحاديث الآحاد وغيرها مما لم يصل إلى حد التواتر لا يعتبر إنكاره كفرا ، فإن القول بكفر منكر الإجماع في الأحكام القطعية يعد نوعا من التشدد الذي ليس عليه دليل.
-ومما يؤكد عدم القول بعدم كفر منكر الإجماع غير القطعي أن العلماء مختلفون في نقض الإجماع بإجماع غيره ، وأن الإجماع يراعى فيه ظروف العصر ، فإن تغيرت ، جاز للمجتهدين من الأمة النظر في إجماع آخر، على رأي من يرى جواز نقض الإجماع بإجماع آخر.
-ولا يعني هذا التقليل من شأن الإجماع ، فإنكاره لا يجوز ،غير أن القول بكفر منكر الإجماع الاجتهادي يحتاج إلى إعادة نظر.
قال الإمام ابن دقيق العيد من علماء الشافعية :
لا يكفر أحد من أهل القبلة , إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها , فإنه حينئذ يكون مكذبا للشرع , وليس مخالفة القواطع مأخذا للتكفير وإنما مأخذه مخالفة القواعد السمعية القطعية طريقا ودلالة . وعبر بعض أصحاب الأصول عن هذا بما معناه : إن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر , كمن أنكر الإجماع , ومن أنكر الشرع بعد الاعتراف بطريقه كفر ; لأنه مكذب .أ.هـ

هل يكفر من ينكر الإجماع

فصل الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي مسألة تكفير منكر الإجماع ،فقال :
من أنكر الإجماع , هل يكفر ؟ وهو قسمان .
1- إنكار كون الإجماع حجة فينظر إن أنكر حجية الإجماع السكوتي , أو الإجماع الذي لم ينقرض أهل عصره , ونحو ذلك من الإجماعات التي اعتبر العلماء المعتبرون في انتهاضها حجة , فلا خلاف أنه لا يكفر , ولا يبدع , وإن أنكر أصل الإجماع , وأنه لا يحتج به , فالقول في تكفيره , كالقول في تكفير أهل البدع والأهواء .
2- أن ينكر حكم الإجماع , فيقول مثلا : ليست الصلاة واجبة , وليس لبنت الابن مع الأم السدس فله أحوال .

أحدها : بأن يكون قد بلغه الإجماع في ذلك وأنكره , ولج فيه , فإن كانت معرفته ظاهرة كالصلاة كفر , أو خفية كمسألة البنت ففيه تردد .

ثانيها : أن ينكر وقوع الإجماع بعد أن يبلغه , فيقول : لم يقع , ولو وقع لقلت به , فإن كان المخبر عن وقوعه الخاصة دون العامة , كمسألة البنت , فلا يكفر على الأظهر , وإن كان المخبر الخاصة والعامة كالصلاة كفر .

ثالثها : أن لا يبلغه فيعذر في الخفي دون الجلي , إن لم يكن قريب العهد بالإسلام . انتهى
وصرح في مكان أخر أنه لا يكفر منكر حكم الإجماع الخفي كتوريث بنت الابن مع البنت , السدس. أهـ

-جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
يكفر منكر حكم الإجماع القطعي ‏,‏ وفصل بعض الأصوليين بين ما كان من ضروريات دين الإسلام ‏,‏ وهو ما يعرفه الخواص والعوام ‏,‏ من غير قبول للتشكيك ‏,‏ كوجوب الصلاة والصوم ‏,‏ وحرمة الزنا والخمر ‏,‏ فيكفر منكره ‏,‏ وبين ما سوى ذلك ‏,‏ فلا يكفر منكره ‏,‏ كالإجماع على بعض دقائق علم المواريث التي قد تخفى على العوام ‏.‏ ‏

‏وفرق فخر الإسلام بين الإجماع القطعي من إجماع الصحابة نصا ‏,‏ كإجماعهم على قتال مانعي الزكاة ‏,‏ أو مع سكوت بعضهم ‏,‏ فيكفر منكره ‏,‏ وبين إجماع غيرهم فيضلل ‏.‏ ‏