التلفيق هو الإتيان بكيفية لا يقول بها كلُّ إمام إذا عُرض عليه الوضعُ الحاصل، بمعنى أن يلتقط الإنسان في مسألة واحدة عدة أقول لعدة مفتين فيحصل على صورة مجتمعة لم يقل بجوازها على هذه الصورة أحد من هؤلاء الفقهاء، وإنما هي صورة مجمعة من أقوالهم، وهذا ممنوع إذا كان المقصود منه التحلل من الأحكام.

أما الفقيه الذي بلغ مرتبة الاجتهاد فله أن ينظر في النصوص التي تقبل الاجتهاد على وفق علمه، وما أداه إليه اجتهاده جاز العمل به لنفسه ولغيره ما لم يصطدم مع إجماع متيقن، أو نص صحيح صريح يخالف ما قاله، ولا مانع أن يخرج اجتهاده على صورة لم يقل بها أحد ممن سبقه من الفقهاء؛ لأنه مجتهد يتعامل مع النصوص وليس مع أقوال الفقهاء.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

يقول بعض الناس : كيف نأخذ بجزء من قول الشافعي ، و لا نأخذ بالجزء الآخر ؟ و هل تجوز لنا هذه التجزئة ؟
و هذه الفكرة بلا ريب من بقايا عصور التقليد و الالتزام المذهبي الصارم ، فلا يجوز لمقلد مذهب أن يرتحل عن مذهبه ، حتى قال صاحب “الدر المختار” من الحنفية : من ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر ! و لم يجيزوا التخير من المذاهب ، بحيث يأخذ من هذا حكماً ، و من غيره حكماً آخر . . . و خصوصاً إذا كان ذلك في معاملة واحدة ، أو في عبادة واحدة بحيث ينتج منها حقيقة لا يقول بها واحد من الأئمة .
و هذا يسمونه “التلفيق” و الحكم و الملفق على هذه الصورة باطل بإجماعهم .
و ذلك كأن يتوضأ و لا يتمضمض و لا يستنشق ، و لا يدلك أعضاء الوضوء، و يمسح شعرات من رأسه فقط و يلمس امرأة ، ثم يقوم للصلاة . فوضوء هذا غير صحيح في نظر كل الأئمة الأربعة : عند أحمد ؛ لأنه لم يتمضمض ، و لم يستنشق ، و عند مالك لأنه لم يدلك الأعضاء ، و لم يمسح كل رأسه ، و عند الشافعي لأنه انتقض باللمس .

و الحق ما قاله الشيخان شلتوت و السايس في كتابهما “مقارنة المذاهب في الفقه” الذي كان يدرس لسنين عديدة في كلية الشريعة بالأزهر : إن هذا مبني على مقالات وضعها المتأخرون، حينما تحكمت فيهم روح الخلاف ، و ملكتهم العصبية المذهبية فراحوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج على مذاهبهم . و انتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكون أفهاماً يصح أن تناقش فترد أو تقبل ، إلى التزامات دينية لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها أو يعتنق غيرها ، و حرموا بذلك النظر في كتاب الله و سنة رسوله مقارنة المذاهب في الفقه ،
و انظر في موضوع “التلفيق” في بحث المرحوم العلامة الشيخ محمد فرج السنهوري و الشيخ عبد الرحمن القلهود في الكتاب الأول لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر) .

و الحق الذي لا ريب فيه أن أي رأي فقهي في مسألة ما ، مبني على الاستدلال و الترجيح لا يدخل دائرة التقليد ، و لا يعتبر من التلفيق الذي ذكره من ذكره ، و إن خرج الرأي في النهاية بصورة جديدة لم يقل بها واحد من المذاهب المتبوعة ؛ لأن هذا إنما يقال فيمن يأخذ من المذاهب عن طريق التقليد المحض ، دون اعتماد على الأدلة و موازنة بعضها ببعض .