لا يجوز بناء المساجد على القبور، وإذا بني المسجد على القبور وجب هدمه، وإذا بنيت القبور بالمساجد وجب هدم القبور، فالمتأخر منهما يجب هدمه، ولا يجمع بينهما لنهي النبي ﷺ عن ذلك، ولنهيه عن الصلاة في المساجد التي بها قبور.
أما إذا كانت المقبرة قديمة، فيمكن الانتفاع بها، وخصوصًا إذا كانت لغير المسلمين فقد جاء في الصحيح أن المكان الذي بني فيه مَسجِد الرسول كان فيه قبور للمشركين، وأُزيل ما كان فيها من بقايا عظام.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-
من الضوابط الشرعية المهمة: ألا يُبنى المسجد على قبر، وخصوصًا قبور الأنبياء والصالحين.
فقد نهى النبي ـ ﷺ ـ نهيًا جازمًا عن اتخاذ القبور مساجد، ولَعَنَ أهل الكتاب الذين صَنَعوا ذلك، ونَهَى عن ذلك وهو في سياق الموت.
رَوى عنه أبو هريرة قال: “قَاتَل اللهُ اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” (متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان فيما تفق الشيخان “307”).
وروى عنه ابن عباس وعائشة قالا: “لما نَزل (أي الموت) برسول الله ـ ﷺ ـ طَفِق يَطرَح خَمِيصَةً على وجهه، فإذا اغتَمَّ بها كَشَفَها عن وجهه، فقال وهو كذلك: “لعنةُ اللهِ على اليهود والنصارى، اتَّخَذُوا قبور أنبيائهم مساجد” يُحذِّر مما صَنعوا (متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان (308).
وقد اعتُرِض بأن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد، وهو عيسى ـ عليه السلام ـ، وأُجيب بجوابين:
الأول: أن لهم أنبياء غيرُ مرسلين كالحواريين وغيرهم.
الثاني: أن المُراد بالاتخاذ: أعَمُّ من أن يكون ابتداعًا أو اتِّباعًا، فاليهود ابتَدعتْ، والنصارى اتَّبعتْ، ولا رَيبَ أنَّ النصارى تُعظِّم قبور كثير من الأنبياء الذين يُعظِّمهم اليهود .
وإنما حَرَّمَ الإسلام اتخاذ القبور مساجد؛ حماية لحِمَى التوحيد أنْ تَشُوبَه أدنى شائبة من الشرك، كما هي سنة الإسلام في سَدِّ المنافذ التي يُحتَمَل أن تَهُبَّ منها رِيحُ الشِّرْك.
وقال ابن القيم رحمه الله:
“مَن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفَهِمَ عن رسول الله مقاصدَه، جَزَم جَزمًا لا يَحتمِل النقيض: أنَّ هذه المبالغة واللَّعن والنهي، ليس لأجل النجاسة، (يعني: نجاسة القبر) بل هو لأجل نجاسة الشِّرْك اللاحقة لمن عصاه.. صيانة لحِمَى التوحيد أن يَلْحَقَه الشرك ويَغْشَاه.
قال في (فتح المجيد):
وممن عَلَّل بِخَوف الفتنة بالشرك: الإمام الشافعي، وأبو بكر الأثرم، وأبو محمد المقدسي، وشيخ الإسلام (ابن تيمية) وغيرهم، رحمهم الله، وهو الحق الذي لا ريب فيه (فتح المجيد شرح التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بتحقيق محمد حامد الفقي ص 238).
قال شيخ الإسلام:
وأما بناء المساجد على القبور، فقد صَرَّح عامة الطوائف بالنهي عنه متابعةً للأحاديث الصحيحة، وصرح أصحابنا (يَعني: الحنابلة) وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريمه، وقال: وهذه المساجد المَبنيَّة على قبور الأنبياء والصالحين أو المُلوك وغيرهم: يَتعيَّن إزالتُها بهَدْم أو غيره، هذا مما لا أَعلم فيه خلافًا بين العلماء المَعروفين (المصدر السابق: ص240).
وإذا كان المسجد بُني على القبر يَجب إزالته كما قال العلماء، وخصوصًا إذا كان المسجد هو الطارئ على القبر، بخلاف العكس فإنَّ القبر هو الذي يَجبُ أن يُزال.
فمن الأولى والأوجب عند بناء المسجد أن يَبتعِد عن القبر، حتى لا يُصلِّي المسلم عليه ولا إليه، فقد نُهينا أن نُصلِّي إلى القبور أو عليها، ولا تكون هناك أي مشابهة لأهل الكتاب وغيرهم ممن اتخذوا القبور مساجد.
أما إذا كانت المقبرة قديمة، فيمكن الانتفاع بها، وخصوصًا إذا كانت لغير المسلمين فقد جاء في الصحيح أن المكان الذي بني فيه مَسجِد الرسول كان فيه قبور للمشركين، وأُزيل ما كان فيها من بقايا عظام.
وقد اختَلف الفقهاء فيما بينهم حول المدة التي يمكن الانتفاع بعدها بالمقبرة القديمة، والمقابر تَمْتَدُّ وتتَّسِعُ، ولا يمكن الناس ـ ولا سيما في عصر تَكاثُر السكان ـ أن يَستغنُوا عن هذه الأراضي القريبة من المدينة أو الواقعة في قلبها؛ لأنها كانت مقبرة في سالف الأزمان وغابر القرون، ولا سيما في البلاد التي لا تَتَمَتَّع بمساحات واسعة، فالضرورات أو الحاجات تَفرِض الانتفاع بالمقابر التي تَرَك الناس الدَّفْن بها من أزمنة طويلة.