ذكر الله تعالى فضل الشهداء ، ومكانتهم عنده سبحانه وتعالى في أكثر من موطن في القرآن، من ذلك ما قاله سبحانه وتعالى :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
و بقاء جسد الشهيد كما هو دون أن تأكله الأرض ، هو من الكرامات التي يهبها الله سبحانه وتعالى للشهداء ، ولكنه ليس بلازم ،ولا يكون ذلك لكل الشهداء ،فليس شرطا أن يبقى جسد الشهيد كما هو ، بل الأصل في أجساد الشهداء أن تتحلل كما تتحلل أجساد بقية الموتى ، والأنبياء وحدهم هم الذين حفظ الله تعالى أجسادهم ، وحرم على الأرض أكلها .
هل يتحلل جسد الشهيد؟
يقول الدكتور أحمد سعيد حوى أستاذ الشريعة بالأردن:
الذي ورد في النصوص أن الله تعالى يحفظ أجساد الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه-، وما عدا ذلك فليس بالضرورة أن تحفظ أجساد غيرهم، ومع ذلك فإن الله تعالى قد يحفظ أجساد بعض الشهداء وبعض الصالحين من غير الشهداء إكرامًا لهم، وعليه فإن جسد الشهيد قد يتحلل كما يجري ذلك لأي ميت آخر ولا يحكم عليه بعدم نيل الشهادة إذا رأينا ذلك، ومن رأيناه من الشهداء لا يتحلل فتلك كرامة أخرى من الله يكرم الله بها بعض الشهداء.انتهى
وقد ذكر الإمام القرطبي نقول العلماء في معنى ” أحياء عند ربهم ” أن من بين هذه المعاني أن تبقى أجساد الشهداء كما هي فلا تأكلها الأرض، وقد تكون هذه الكرامة أيضا للعلماء وحملة القرآن وغيرهم من الصالحين.
ما معنى حياة الشهداء؟
يقول الإمام القرطبي عن معنى حياة الشهداء:
أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون , ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب , وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين , وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم .
وقد اختلف العلماء في هذا المعنى . فالذي عليه المعظم أن حياة الشهداء محققة . ثم منهم من يقول :
ترد إليهم الأرواح في قبورهم فينعمون , كما يحيا الكفار في قبورهم فيعذبون .
وقال مجاهد : يرزقون من ثمر الجنة , أي يجدون ريحها وليسوا فيها . وصار قوم إلى أن هذا مجاز , والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة . وهو كما يقال : ما مات فلان , أي ذكره حي ; كما قيل : موت التقي حياة لا فناء لها قد مات قوم وهم في الناس أحياء
فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل .
وقال آخرون : أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون . وهذا هو الصحيح من الأقوال ….. وأما من تأول في الشهداء أنهم أحياء بمعنى أنهم سيحيون فبعيد يرده القرآن والسنة ; فإن قوله تعالى : ” بل أحياء ” دليل على حياتهم , وأنهم يرزقون ولا يرزق إلا حي .
وقد قيل : إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة ; ويشركون في ثواب كل جهاد كان بعدهم إلى يوم القيامة ; لأنهم سنوا أمر الجهاد . نظيره قوله تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا ) [ المائدة : 32 ] .
وقيل : لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة , كأرواح الأحياء المؤمنين الذين باتوا على وضوء .
وقيل : لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض . … وأن الأرض لا تأكل الأنبياء والشهداء والعلماء والمؤذنين المحتسبين وحملة القرآن .” انتهى