المسلم مطالب بأن يأخذ بالأسباب، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لجلب النفع أو دفع الضر، وهو يوقن تمام اليقين أنه لا يجلب لنفسه نفعا أو يدفع عنها ضرا إلا بإذن الله.
يقول فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي:-
هذا السؤال سؤال قديم معروف، ويبدو أنه مهما طال الزمن سيظل يخطر على الأفئدة، ويدور على الألسنة، ولا داعي للحيرة في شأنه، فإن الإسلام قد شفى في جوابه وكفى وسنعرض لهذه المسألة في النقاط التالية:
كل ما في الكون مكتوب مسجل:
الأخذ بالأسباب واجب :
فإن الله كما كتب المسببات كتب الأسباب، وكما قدر النتائج، قدر المقدمات فهو لا يكتب للطالب النجاح فحسب بحيث يصل إلى هذه النتيجة بأي وسيلة، ولكن يكتب له النجاح بوسائله من جد وحرص وانتباه ووعي وصبر وجلد إلى آخر هذه الأسباب . فهذا مقدر مكتوب، وهذا مقدر مكتوب.
هل الأخذ بالأسباب ينافي القدر :
ولما انتشر الوباء في بلاد الشام قرر عمر بمشورة الصحابة العدول عن دخولها، والرجوع بمن معه من المسلمين . فقيل له: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن نزلت بقعتين من الأرض، إحداهما مخصبة والأخرى مجدبة، أليس إن رعيت المخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت المجدبة رعيتها بقدر الله ؟!.
القدر أمر مغيب مستور عنا :
إنما الغيب كتاب صانه عن عيون الخلق رب العالمين.
ليس يبدو منه للناس سوى صفحة الحاضر حينًا بعد حين.
وسنن الله في كونه وشرعه تحتم علينا الأخذ بالأسباب كما فعل ذلك أقوى الناس إيمانًا بالله وقضائه وقدره، وهو رسول الله – ﷺ -، فقد أخذ الحذر، وأعد الجيوش، وبعث الطلائع والعيون، وظاهر بين درعين، ولبس المغفر على رأسه، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو بنفسه، واتخذ أسباب الحيطة في هجرته … أعد الرواحل التي يمتطيها، والدليل الذي يصحبه، وغير الطريق، واختبأ في الغار، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوت سنة، ولم ينتظر أن ينزل عليه الرزق من السماء، وقال للذي سأله أيعقل ناقته أم يتركها ويتوكل: اعقلها وتوكل (رواه ابن حبان بإسناد صحيح عن عمرو بن أمية الضمري ورواه ابن خزيمة والطبراني بإسناد جيد بلفظ “قيدها وتوكل”)، وقال: ” فرّ من المجذوم فرارك من الأسد ” (رواه البخاري) و” لا يوردن ممرض على مصح ” (رواه البخاري) أي لا يخلط صاحب الإبل المريضة إبله بالإبل السليمة، اتقاء العدوى.
الإيمان بالقدر لا ينافي العمل والسعي والجد في جلب ما نحب واتقاء ما نكره :
وهكذا كان المسلمون الأولون يعتقدون: .
ففي معارك الفتح الإسلامي دخل المغيرة بن شعبة على قائد من قواد الروم فقال له: من أنتم ؟ قال: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، فلو كنتم في سحابة لصعدنا إليكم، أو لهبطتم إلينا !!.
ولا ينبغي أن يلجأ الإنسان إلى الاعتذار بالقدر إلا حينما يبذل وسعه، ويفرغ جهده وطاقته، وبعد ذلك يقول: هذا قضاء الله.
غلب رجل آخر أمام النبي عليه السلام، فقال المغلوب: حسبي الله، فغضب النبي، ورأى ظاهر هذه الكلمة إيمانًا، وباطنها عجزًا، فقال: ” إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ” .
ثمرة الإيمان بالقضاء والقدر:
إنه سيقول عند الكفاح: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وسيقول عند المعركة: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
وسيقول عند المصيبة: قدر الله وما شاء فعل.
وسيقول للسلطان الجائر: إنك لن تقدم أجلي، ولن تحرمني رزقًا هو لي.
إن عقيدة القدر إذا فهمت على وجهها الصحيح تستطيع أن تخلق من أمتنا أمة مجاهدة صامدة، جديرة بأن تقود زمام التاريخ.