إن الله لم يحرم علينا إلا كل ما هو ضار وخبيث، ولم يحل لنا إلا كل ماهو نافع وطيب، والقرآن الكريم قد ورد فيه تحريم جماع الحائض في قوله تعالى: {ويسألونك عن المَحيضِ قل هو أذًى فاعتَزِلوا النساءَ في المَحيضِ ولا تَقرَبُوهنَّ حتى يَطهُرنَ فإذا تَطَهَّرنَ فَأتُوهنَّ من حيثُ أمَرَكم اللهُ إن اللهَ يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهِّرين). البقرة: 222
ويوضح فضيلة الشيخ الشعراوي – رحمه الله تعالى – بعض الأسرار البلاغية لهذه الآية الكريمة فيقول فضيلته: يقول الحق سبحانه وتعالى: (ويسألونك عن المَحيضِ قل هو أذًى فاعتَزِلوا النساءَ في المَحيضِ ولا تَقرَبُوهنَّ حتى يَطهُرنَ فإذا تَطَهَّرنَ فَأتُوهنَّ من حيثُ أمَرَكم اللهُ إن اللهَ يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهِّرين) (البقرة: 222) حين تقرأ (هو أذًى) فقد أخَذتَ الحكمَ ممن يؤمَنُ على الأحكام ، ولا تناقش المسألة، ومهما قال الطب من تفسيرات وتعليلات وأسباب نَقُلْ له: لا، الذي خلق قال: (هو أذًى)
والمَحيض يطلق على الدم، ويراد به أيضًا زمان الحيض.
وقول الحق سبحانه عن المحيض إنه (أذًى) يهيّئ الذهن لأن يتلقّى حكمًا في هذا الأذى، وبذلك يستعد الذهن للحظر الذي سيأتي به الحكم، وقد جاء الحكم بالحظر والمنع بعد أن سبقت حيثيته.
إن الحق سبحانه وتعالى وهو الخالق أراد أن تكون عملية الحيض في المرأة عملية كيماوية ضرورية لحياتها وحياة الإنجاب، وأمَرَ الرجال أن يعتزلوا النساء وهنَّ حوائض؛ لأن المحيض أذًى لهم.
لكن هل دم الحيض أذًى للرجال أم للنساء؟ إنه للرجال والنساء معًا ؛ لأن الآية أطلقت الأذى ولم تحدد من المقصود به، والذي يدل على ذلك أن الحيض يعطي قذارة للرجال في مكان حساس هو موضع الإنزال عنده، فإذا وصلت إليه الميكروبات تصيبه بأمراض خطيرة، والحيض هو دم يحتوي على أنسجة حية، وتصبح منطقة المهبل والرحم في حالة تهيُّج، لأن منطقة المهبل والرحم حساسة جدًّا لنمو الميكروبات المسبِّبة للالتهابات سواء للمرأة أو للرجل إن جامع زوجته في زمن الحيض، والحيض يصيب المرأة بأذًى في قوتها وجسدها؛ بدليل أن الله سبحانه رخّص لها ألَّا تصوم وألَّا تصليَ في هذه الحالة، إذًا فالمسألة مُنهِكة ومُتعِبة لها فلا يجوز أن يُرهقها الرجل بأكثر مما هي عليه.
إذًا فقوله تعالى: (هو أذًى) تعميم بأن الأذى يصيب الرجل والمرأة. وبعد ذلك بيَّن الحق الأعلى سبحانه أن كلمة (أذًى) حيثية تتطلب حكمًا يأتي، إما بالإجابة وإما بالحظر، ما دام (هو أذًى) فلا بد من أن يكون حظرٌ. يقول الحق عز وجل: (فاعتَزِلوا النساءَ في المَحيضِ ولا تَقرَبُوهنَّ) والذي يقول إن المَحيض هو مكان الحيض يَبني قوله بأن المحرّم هو المباشرة الجنسية، ولكن ما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح، فيقول الحق سبحانه: (ولا تَقرَبُوهنَّ) أي: ولا تأتوهنَّ في المكان الذي يأتي منه الأذى، وهو دم الحيض (حتى يَطهُرنَ فإذا تَطَهَّرنَ فأتُوهنَّ من حيث أمَرَكم اللهُ). و(حتى يَطهُرنَ) من الطهور.