الله سبحانه خلق الإنسان وعلِم ما سيكون عليه من خير وشر وجعله قابلاً للطاعة والمعصية، وكلفه بأمور ينفذها وترك له الحرية في اختيار التنفيذ وعدم التنفيذ، ليكون محاسبًا أمام الله على ما فعله بحريته واختياره من طاعة أو معصية، والإنسان لا يعلم ما قدر له في علم الله إلا بعد وقوع المقدر، ولو أقدم على فعل محرم متعللاً بأنه مقدر عليه فهو مخطئ في هذا التعلُّل، لأنه ربما يحول بينه وبين فعل المحرم حائل يمنع، وهنا يعلم أنه لم يقدر عليه.
فالإنسان مخير في الأمور التكليفية التي يستطيع فعلها أو تركها بحريته واختياره، أما الأمور التي لا تقع تحت حريته واختياره، كالكوارث العامة من الزلازل البراكين والعواصف والسيول وغيرها فهو فيها ميسر.

ولماذا يكثر السؤال في أن الإنسان مسير أم مخير، وبخاصةٍ مَنْ يقول: إن المعاصي مقدرة علينا فلماذا نُعاَقِبُ عليها ونحن مُرْغمون لا مفر لنا من القضاء والقدر؟ إن الله سبحانه علِم أن أَبَا لَهَبٍ لن يؤمن بسيدنا محمد، ومع ذلك أمر الله نبيه أن يطلب منه الإيمان، ليكون إيمانه وعدم إيمانه بحريته واختياره، فاختار أبو لهب الكفر، واستمر على ذلك حتى مات كافرًا، وهنا علم تمامًا أن الله سبحانه قضى في علمه أن أبا لهب سيختار الكفر ويموت عليه.

ولماذا يسأل الناس عن تقدير المعاصي لتبرير فعلها لأنها قضاء الله حتى لا يعاقب عليها، ولا يسأل عن تقدير الطاعات، ويُطالب بالثواب عليها، مع أن المعاصي مقدرة في علم الله؟ إن الإنسان هنا في الطاعات حريص على أن ينال الثواب على طاعته لأنها عمله. وفي المعاصي حريص على أن يُنَفَّرَ من العقاب على معصيته لأنها ليست عمله ـ في ادعائه ـ بل مقدرة عليه.

لا ينبغي أن يُغالط الإنسان نفسه، فهو مسؤول عن كل شيء فعله بحريته واختياره من خير أو شر، قال تعالى: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (سور الطور : 21) وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَاكَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (سورة المدثر : 38) إن الأمر لو كان كما يريد هؤلاء من تقدير كل الأمور علينا وعدم الحساب عليها ما كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل ولا إلى البعث ولا إلى الحساب ولا إلى الجنة والنار.